القيامة واردةً على هذا المنهج، لأن فتح مكة من أمهات الفتوح، وبه دخل الناس في دين الله أفواجًا، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاستغفار والتأهب للمسير إلى دار القرار، ولو أخذ من ذلك معنى صيغة التعظيم، ليتم به معنى العظمة، بلغ الغاية.
قوله:(كيف جعل فتح علةً للمغفرة): أي: الفتح فعل الله لا فعله حتى يكون علةً للمغفرة، لذلك قال القاضي:" {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ} علة للفتح من حيث إنه مسبب عن جهاد الكفار، والسعي في إعلاء الدين وإزاحة الشرك، وتكميل النفوس الناقصة قهرًا، ليصير ذلك بالتدريج اختيارًا، وتخليص الضعفة عن أيدي الظلمة".
وقلت: يمكن أن يقال: إنما جعل فتح مكة علة للمغفرة، لأنه سبب لأن يؤمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاشتغال بخاصة نفسه، بعد بذل المجهود فيما كلف به من تبليغ الرسالة ومجاهدة أعداء الدين، وبالإقبال على التقوى، واستدراك الفرطات، كما قال الله تعالى:{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}[النصر: ١]، إلى قوله:{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}[النصر: ٣].
قوله:(ولكن لاجتماع ما عدد): خلاصة الجواب: أن العلل متعدد، وهو المعطوفات الأربعة، على أن يراد بقوله:{ويَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا}: الفتح، فتؤخذ الزبدة والخلاصة من المجموع، فعبر به عن العلل، كما قال:"ليجمع لك بين عز الدارين"، وكان كذلك لأن هذا الفتح هو فتح الفتوح، وهدم به منار الجاهلية، وكمل الدين، وأتمت النعم، كما قال:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}[المائدة: ٣].