وأن تغضوا منها بحيث يكون كلامه عاليًا لكلامكم، وجهره باهرًا لجهركم، حتى تكون مزيته عليكم لائحة، وسابقته واضحة، وامتيازه عن جمهوركم كشية الأبلق غير خاف، لا أن تغمروا صوته بلغطكم، وتبهروا منطقه بصخبكم.
وبقوله:{وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ}: أنكم إذا كلمتموه وهو صامت، فإياكم والعدول عما نهيتم عنه من رفع الصوت، بل عليكم أن لا تبلغوا به الجهر الدائر بينكم، وأن تتعمدوا في مخاطبته القول اللين المقرّب من الهمس الذي يضادّ الجهر، كما تكون مخاطبة المهيب المعظم، عاملين بقوله عز اسمه:{وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ}[الفتح: ٩].
وقيل معنى:{وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} لا تقولوا له: يا محمد، يا أحمد، وخاطبوه بالنبوّة. قال ابن عباس: لما نزلت هذه الآية، قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، والله لا أكلمك إلا السرار أو أخا السرار حتى ألقى الله. وعن عمر رضي الله عنه: أنه كان يكلم النبي صلى الله عليه وسلم كأخي السرار، لا يسمعه حتى يستفهمه، وكان أبو بكر إذا قدم.
قوله:(قال أبو بكر رضي الله عنه: ياو رسول الله، والله لا أكلمك إلا السرار أو أخا السرار): روينا عن البخاري والترمذي والنسائي عن عبد الله بن الزبير قال: "قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر رضي الله عنه: أمر القعقاع بن معبد، وقال عمر رضي الله عنه: أمر الأقرع بن حابس، فقال أبو بكر: ما أردت إلا خلافي، وقال عمر: ما أردت خلافك، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما، فنزلت".