أحدها: أنه من الكناية التلويحية، عبر عن كونهم مغرقين في التقوى كاملين فيها بقوله:{امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى}، لأن الامتحان والتجربة يوجب مزاولة الأمر ومعالجته مرة بعد أخرى، وذلك يوجب التمرن فيه، والمتمرن مضطلع فيه، وفي المثل:"أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب"، فعلى هذا: مجاز الآية راجع إلى العباد، نحو قوله تعالى:{وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ}[الصافات: ١٤٧].
وثانيها: أنه من إطلاق السبب على المسبب، فإن الامتحان سبب المعرفة، وهو المراد من قوله:"لأن تحقق الشيء باختباره"، وهو لوجهين: أحدهما: أن اللام في "التقوى" صلة محذوف، وهو حال من المفعول، وهو {قُلُوبَهُمْ}. وثانيها: أن تكون اللام للتعليل، والمعنى: وضرب الله قلوبهم بأنواع المحن والتكاليف الصعبة لأجل التقوى، وإثبات العلم هنا كإثباته في قوله تعالى:{وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ}[آل عمران: ١٤٠]، قال:"وليعلمهم علمًا يتعلق به الجزاء"، ومن ثم عقبه بقوله:{لَهُم مَّغْفِرَةٌ وأَجْرٌ عَظِيمٌ}، فتكون "أو ضرب الله" عطفًا على "عرف الله".