{قالَ لا تَخْتَصِمُوا} استئناف، مثل قوله:{قالَ قَرِينُهُ}، كأن قائلًا قال: فماذا قال الله؟ فقيل: قال: لا تختصموا. والمعنى: لا تختصموا في دار الجزاء وموقف الحساب، فلا فائدة في اختصامكم، ولا طائل تحته، وقد أوعدتكم بعذابي على الطغيان في كتبي وعلى ألسنة رسلي، فما تركت لكم حجة عليّ، ثم قال: لا تطمعوا أن أبدل قولي ووعيدي، فأعفيكم عما أوعدتكم به، {وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} فأعذب من ليس بمستوجب للعذاب.
والباء في {بِالْوَعِيدِ} مزيدة، مثلها في {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}، أو معدية؛ على أن «قدّم» مطاوع بمعنى: «تقدّم»، ويجوز أن يقع الفعل على جملة قوله:{ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}، ويكون {بِالْوَعِيدِ} حالًا، أي: قدّمت إليكم هذا ملتبسًا بالوعيد مقترنًا به، أو قدّمته إليكم موعدًا لكم به.
فإن قلت: إنّ قوله: {وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ} واقع موقع الحال من {لا تَخْتَصِمُوا}، والتقديم بالوعيد في الدنيا، والخصومة في الآخرة، واجتماعها في زمان واحد واجب؟ قلت: معناه: ولا تختصموا وقد صح عندكم إني قدمت إليكم بالوعيد، وصحة ذلك عندهم في الاخرة.
فإن قلت: كيف قال: {بِظَلَّامٍ} على لفظ المبالغة؟ قلت: فيه وجهان: أحدهما: أن يكون من قولك: هو ظالم لعبده، وظلام لعبيده. وأن يراد: لو عذبت من لا يستحق العذاب لكنت ظلامًا مفرط الظلم، فنفى ذلك.
قوله:(أو قدمته إليكم موعدًا لكم به): فعلى هذا {بِالْوَعِيدِ} حال من الفاعل، وعلى الأول من المفعول.
قوله:(فيه وجهان: أن يكون من قولك: هو ظالم): وقد مر بيانه مرارًا.
الانتصاف:"أراد أن "فعالًا" ورد بمعنى: فاعل، أو المنسوب في المعتاد إلى الملوك من الظلم على حسب ملكهم؛ أن عظيما فعظيم، وإن حقيرًا فحقير، فلما كان ملك الله على كل