أي: يتناهون في السمن بسبب الأكل والشرب، وحقيقته: يصدر تناهيهم في السمن عنهما، وكذلك يصدر إفكهم عن القول المختلف.
وقرأ سعيد بن جبير:(يؤفك عنه من أفك) على البناء للفاعل، أي: من أفك الناس عنه؛ وهم قريش، وذلك أن الحي كانوا يبعثون الرجل ذا العقل والرأي ليسأل عن رسول الله، فيقولون له: احذره، فيرجع فيخبرهم. وعن زيد بن علي:(يأفك عنه من أفك)، أي: يصرف الناس عنه من هو مأفوك في نفسه. وعنه أيضا:(يأفك عنه من أفك)، أي: يصرف الناس عنه من هو أفاك كذاب. وقرئ:(يؤفن عنه من أفن) أي: يحرمه من حرم، من أفن الضرع: إذا نهكه حلبا.
للقرآن وينصره الكلام السابق، وهو قوله:{وإنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ}، واللاحق وهو قوله:{يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ}.
قوله:(ينهون عن أكب وعن شرب)، تمامه:
مثل المها يرتعن في خصب
جمل ناه: إذا كان غريقًا في السمن. والضمير في قوله: ينهون يعود إلى الجماعة، ومن ظن أنه يعود إلى النوق أخطأ، فإنه لو كان كذلك لقال: ينهين.
قوله:(من هو أفاك كذاب) هذه المبالغة إنما يقيدها مقام مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، أي: لا يصرف الناس عن مثل هذا الرسول صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق إلا من هو مبالغ في الكذب، متناه فيه، وهو نحو قوله السابق: لا يهلك على الله إلا هالك، أي هالك، أي هالك!