ألا ترى إلى قوله تعالى:{لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا}[الأنعام: ١٥٨] والمعنى: قل يا محمد: ففروا إلى الله.
{كَذَلِكَ} الأمر، أي مثل ذلك، وذلك إشارة إلى تكذيبهم الرسول وتسميته ساحرًا ومجنونًا، ثم فسر ما أجمل بقوله:{مَا أَتَى}، ولا يصح أن تكون الكاف منصوبة بـ {أَتَى}؛ لأن "ما" النافية لا يعمل ما بعدها فيما قبلها. ولو قيل: لم يأت، لكان صحيحًا، على معنى: مثل ذلك الإتيان لم يأت من قبلهم رسول إلا قالوا.
قوله:(ألا ترى إلى قوله: {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا}[الأنعام: ١٥٨] الآية، قد ذكرنا في موضعه أن الآية دالة على خلاف ما قصد به، وأن المعنى:{يَوْمَ يَاتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} حينئذ، أو كسبها في إيمانها خيرًا حينئذ لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا من قبل، فهو من حذف إحدى القرينتين من اللف لدلالة النشر عليه.
قوله: (وذلك إشارة إلى تكذيبهم الرسول صلى الله عليه وسلم) يعني: المشار إليه ما في الذهن على الإبهام، وهو الأمر، لمجيء تفسيره، وهو قوله:{مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم}.
قوله:(على معنى: مثل ذلك الإتيان لم يأت) متعلق بقوله: "لو قيل: لم يأت، لكان صحيحًا"، فإن قلت: لم أوثر في التنزيل "ما" على "لم"؟