وذلك أن خزنة النار يغلون أيديهم إلى أعناقهم، ويجمعون نواصيهم إلى أقدامهم، ويدفعونهم إلى النار دفعًا على وجوههم، وزخا في أقفيتهم. وقرأ زيد بن علي:(يدعون) من الدعاء، أي يقال لهم: هلموا إلى النار، وادخلوا النار {دَعًا} مدعوعين، يقال لهم: هذه النار.
{أَفَسِحْرٌ هَذَا} يعني كنتم تقولون للوحي: هذا سحر، أفسحر هذا؟ يريد: أهذا المصداق أيضًا سحر؟ ودخلت الفاء لهذا المعنى.
{أَمْ أَنتُمْ لا تُبْصِرُونَ} كما كنتم لا تبصرون في الدنيا، يعني: أم أنتم عمي عن المخبر عنه كما كنتم عميًا عن الخبر، وهذا تقريع وتهكم، {سَوَاءٌ} خبر محذوف، أي: سواء عليكم الأمران: الصبر وعدمه.
فإن قلت: لم علل استواء الصبر وعدمه بقوله: {إنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}؟
روي عن المصنف أنه قال:"الخوض" في المعاني من الغالبة، فإنه يصلح للخوض في كل شيء، إلا أنه غلب في الباطل، ونظيره في الأسماء الغالبة: دابة، غلبت في ذوات الأربع، والقوم: في الرجال.
قوله:(مدعوعين)، الأساس: دع اليتيم: دفعه بجفوة، ودعدع المكيال: حركه حتى يكتنز. و {دّعًّا} على هذه القراءة: حال، وعلى الأول: مفعول مطلق.
قوله:(أهذا المصداق أيضًا سحر؟ ) قيل: المصداق هو الشيء الذي يعرف به الصدق، والعذاب في الآخرة، وغير ذلك من أحوال القيامة، مما يعد من مصداق قول الأنبياء عليهم السلام.
قوله:(ودخلت الفاء لهذا المعنى)، عن بعضهم أي: تعقبت للمقدر، وهو: هذا سحر؟ !
وقلت: هذه الفاء تقتضي معطوفًا عليه، وهو مقدر دل عليه مضمون قوله:{هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ} فدخلت الهمزة بين المعطوفين لمزيد من التقريع والتهكم، فإنه لما قيل: