{يَتَنَازَعُونَ} يتعاطون ويتعاورون، وهم وجلساؤهم من أقربائهم وإخوانهم، {كَاسًا}: خمرًا، {لاَّ لَغْوٌ فِيهَا}: في شربها، {ولا تَاثِيمٌ} أي: لا يتكلمون في أثناء الشرب بسقط الحديث، وما لا طائل تحته، كفعل المتنادمين في الدنيا على الشراب، في سفههم وعربدتهم، ولا يفعلون ما يؤثم به فاعله، أي: ينسب إلى الإثم لو فعله في دار التكليف من الكذب والشتم والفواحش، وإنما يتكلمون بالحكم والكلام الحسن متلذذين
فإن قلت: كيف اتصال {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} بما قبله؟
قلت: هو متصل به على وجه التتميم، إن فسرت الآيات من قوله:{إنَّ المُتَّقِينَ} بجملتها باتصال الثواب والجزاء إليهم تفضلًا، فإنه لما قيل:"وفرنا عليهم جميع ما ذكرنا من الثواب، وما نقصناهم من ثواب عملهم من شيء"، كما قال؛ علم أنهم فكوا رقابهم عما كانت مرهونة به من الكسب، فقيل:{كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} أي حالهم كيت وكيت، وغيرهم غير مفكوك بما كسبت، ونحوه قوله تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ}، أو يقال: هو استئناف، فإنه لما قيل: ما نقصناهم من ثوابهم شيئًا تعطيه الأبناء حتى يلحقوا بهم على سبيل التفضل، قيل: لم كان الإلحاق تفضلًا؟ فقيل: لأن كل امرئ بما كسب رهين، وهؤلاء لم يكن لهم عمل يلحقوا بهم بسببه، فألحقوا بهم تفضلًا.
أو يقال: إنه لما قيل: {بِإيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}، يعني بسبب إيمان الآباء ألحقنا بهم الذريات كرامة للآباء لا لشيء آخر، ودل على الاختصاص تقديم {بِإيمَانٍ} على {أَلْحَقْنَا}، قيل: لم اختص الإلحاق بإيمان الآباء؟ قيل: لأن كل امرئ بما كسب رهين، وهؤلاء لم يكن لهم كسب، فلم يكن سبب الفك إلا ذلك التفضل لا يفارق الوجوه.