عليه واطلاعه على أسرار ملكوته وغيبه، بما لم يطلع عليه سواه، والدنو من الله تعالى إظهار ذلك واتصال عظيم بره وفضله إليه، و {قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} على هذا عبارة عن لطف المحل وإيضاح المعرفة والإشراف على الحقيقة من نبينا صلوات الله عليه وسلامه، ومن الله إجابة الرغبة وإبانة المنزلة، ونحوه في قوله صلوات الله عليه حكاية عن ربه:"من تقرب مني شبرًا تقربت منه ذراعًا". هذا آخر كلام عياض.
وأما صاحب "التحرير" فإنه اختار إثبات الرؤية، قال: والحجج في هذه المسألة، وإن كانت كثيرة، لكنا لا نتمسك إلا بالأقوى، منها: حديث ابن عباس: أتعجبون من أن تكون الخلة لإبراهيم، والكلام لموسى، والرؤية لمحمد صلوات الله عليهم!
والأصل في الباب حديث ابن عباس حبر الأمة، والمرجوع إليه في المعضلات، وقد راجعه ابن عمر في هذه المسألة: هل رأى محمد صلوات الله عليه ربه؟ فأخبره أنه رآه, ولا يقدح في هذا حديث عائشة، لأن عائشة رضي الله عنها لم تخبر أنها سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"لم أر ربي"، وإنما ذكرت ما ذكرت متأولة، لقوله تعالى:{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ}[الشورى: ٥١] الآية، ولقوله:{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}[الأنعام: ١٠٣]، والصحابي إذا قال قولًا وخالفه غيره منهم، لم يكن قوله حجة، وإذا صحت الروايات عن ابن عباس في إثبات الرؤية وجب المصير إلى إثباتها، فإنها ليست مما يدرك بالعقل، ويؤخذ بالظن، وإنما يتلقى بالسماع، ولا يستجيز أحد أن يظن بابن عباس أنه تكلم في هذه بالظن والاجتهاد.
وقد قال معمر بن راشد حين ذكر اختلاف عائشة وابن عباس: ما عائشة عندنا بأعلم من ابن عباس، ثم إن ابن عباس أثبت شيئًا نفاه غيره، والمثبت مقدم على النافي. في هذا كلام صاحب "التحرير".