ويجوز أن تكون الأولية والتقديم عندهم للات والعزى. كانوا يقولون: إن الملائكة وهذه الأصنام بنات الله، وكانوا يعبدوهم ويزعمون أنهم شفعاؤهم عند الله تعالى مع وأدهم البنات، فقيل لهم:{أَلَكُمُ الذَّكَرُ ولَهُ الأُنثَى}، ويجوز أن يراد: أن اللات والعزى ومناة إناث، وقد جعلتموهن لله شركاء، ومن شأنكم أن تحتقروا الإناث، وتستنكفوا من أن يولدن لكم وينسبن إليكم، فكيف تجعلون هؤلاء الإناث أندادًا لله وتسمونهن آلهه؟ ! {قِسْمَةٌ ضِيزَى} جائزة، من ضازه يضيزه إذا ضامه، والأصل: ضوزى، ففعل بها ما فعل بـ"بيض"؛ لتسلم الياء
والظاهر أن صاحب "الانتصاف" لم يفهم عنه هذا المعنى، وقد كشف عن المعنى القاضي حيث قال:{الثَّالِثَةَ الأُخْرَى}: صفتان للتوكيد، كقوله:{يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ}[الأنعام: ٣٨]، أو {الأُخْرَى} من التأخر في الرتبة.
وذلك أنه لما عطف عليهما، علم أنها ثالثتهما، فجيء بالثالثة توكيدًا، فالأخرى؛ إما توكيد مثلها، أو تجعل بمعنى أخرى من التأخر الوجودي، فتصير حينئذ مثل "ثم" في أن يذهب بها إلى التراخي بحسب الزمان حقيقة، أو المرتبة مجازًا، فقول المصنف:"والأخرى ذم" من القبيل الثاني، وقوله:"الأولية والتقدم عندهم للات" من القبيل الأول.
قوله:(ويجوز أن يراد أن)، الفرق بين هذا الوجه وما سبق، أن الإنكار على الأول زاد عن قولهم: إن الملائكة وهذه الأصنام بنات الله، مع استنكافهم عن البنات، فأنكر عليهم قولهم حال استنكافهم، ألا ترى كيف أوقع قوله:"مع وأدهم البنات" حالًا من فاعل "يقولون"؟ ! وعلى الثاني: الإنكار وارد على فعلهم، فإنهم لما عبدوها وهي إناث جعلوها شركاء لله تعالى في العبادة، فأنكر عليهم ذلك الفعل، ولذلك قال:"جعلتموهن لله شركاء … " إلى آخره.
قوله: (والأصل: ضوزى، ففعل بها ما فعل بـ"بيض")، الجوهري: هو فعلى مثل: طوبى وحبلى، وإنما كسروا الضاد لتسلم الياء، لأنه ليس في كلام العرب فعلى صفة، وإنما