وقوله عز وجل:{وقَلِيلٌ مِّنَ الآخِرِينَ} كفى به دليلا على الكثرة، وهي من الثل وهو الكسر، كما أن الأمة من الأمم وهو الشج، كأنها جماعة كسرت من الناس وقطعت منهم. والمعنى: أن السابقين من الأولين كثير، وهم الأمم من لدن آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم {وقَلِيلٌ مِّنَ الآخِرِينَ} وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم {مِّنَ الأَوَّلِينَ} من متقدمي هذه الأمة، و {مِّنَ الآخِرِينَ} من متأخريها. وعن النبي صلى الله عليه وسلم:"الثلثان جميعا من أمتي".
فإن قلت {وقَلِيلٌ مِّنَ الآخِرِينَ}[الواقعة: ١٤]، ثم قال:" {وثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِينَ}[الواقعة: ٤٠]؟ "
قلت: هذا من السابقين، وذلك في أصحاب اليمين؛ وأنهم يتكاثرون من الأولين
مضمر، واسمها ليلى، نسب ولد إلياس إليها وهي أمهم، والتيار: الموج، مزبد: كثير الزبد، والمراد: كثرة الجيش.
قوله:(كفى به دليلًا على الكثرة) يعني: وقوع "قليل" في مقابل {ثُلَّةٌ} دليل على كثرة المقابل: يعرض بقول الزجاج: ويجوز أن تكون الثلة بمعنى: قليل، أي قليل من الأولين، وقليل من الآخرين، لأن اشتقاق الثلة من القطعة، فالثلة نحو الفرقة والفئة والقطعة.
الراغب: الثلة: قطعة مجتمعة من الصوف، ولذلك قيل للغنم: ثلة، ولاعتبار الاجتماع قيل:{ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ * وثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِينَ}، أي: جماعة، وثللت كذا: تناولت ثلة منه، وثل عرشه أسقط ثلة منه.
قوله:(كيف قال: {وقَلِيلٌ مِّنَ الآخِرِينَ}) يعني: ذكرت أن الثلة هي الأمة الكثيرة، وتمسكت بقوله:{وقَلِيلٌ}، فكيف قال أولًا:{وقَلِيلٌ مِّنَ الآخِرِينَ}، فوصفهم بالقلة، ثم قال:{وثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِينَ}، فوصفهم بالكثرة؟ وأجاب: أن ذلك في قوم، وهذا في قوم، ولما ورد الحديث مخالفًا لهذا التأويل رده لأن قضية هذا الخبر:"فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يراجع ربه"،