والضمير في {تَرْجِعُونَهَا} للنفس وهي الروح، وفي {أَقْرَبُ إلَيْهِ} للمحتضر {غَيْرَ مَدِينِينَ} غير مربوبين، من دان السلطان الرعية، إذا ساسهم. {ونَحْنُ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنكُمْ} يا أهل الميت، بقدرتنا وعلمنا، أو بملائكة الموت.
والمعنى: إنكم في جحودكم أفعال الله تعالى وآياته في كل شيء، إن أنزل عليكم كتابًا معجزًا قلتم: سحر وافتراء، وإن أرسل إليكم رسولًا قلتم: ساحر كذاب، وإن رزقكم مطرًا يحييكم به قلتم: صدق نوء كذا، على مذهب يؤدي إلى الإهمال
عن التزود لدار الجزاء، بدليل قوله:{إنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ * وكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الحِنثِ العَظِيمِ}، أي: يحلفون ويصرون عليه أن لا بعث ولا حساب، ويقولون: نحن الآن نستوفي لذاتنا من الدنيا، كقوله تعالى:{بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ}[القيامة: ٥] أي: ليدوم على فجوره فيما بين يديه من الأوقات لا تنزع عنه.
وفي كلام المصنف:"إنكم في جحودكم .... على مذهب يؤدي إلى الإهمال والتعطيل" أشعار بهذا المعنى. فالفاء في قوله:{فَلَوْلا إذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ} مسببة عما قبلها، وكذا الفاء في:{أَفَبِهَذَا الحَدِيثِ}، وفي:{فَلا أُقْسِمُ}، وهلم جرا إلى الفاءات المصدرات بهمزة الإنكار في:{أَفَرَأَيْتُم} و {أَفَرَأَيْتُم} إلى أن يتصل بقوله: {كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ}، فلما وبخوا على قولهم:{أَئِذَا مِتْنَا وكُنَّا تُرَابًا وعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ}، وهدم باطلهم بأنواع من البراهين القاطعة وعد قبائحهم، قيل لهم:{فَلَوْلا إذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ * وأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ}، يعني: إن كان الأمر كما تقولون: إنه لا بعث ولا حساب ولا جزاء، ونحن الآن طيبون، فهلا تردون نفس من يعز عليكم إذا {بَلَغَتِ الحُلْقُومَ * وأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ} إليه وإلى ما هو فيه من السكرات، هل تقدرون أن {تَرْجِعُونَهَا} إلى مقامها {إن كُنتُمْ صَادِقِينَ} أنكم غير مدينين؟ ؟ وإليه الإشارة بقوله:"إن لم يكن ثم قابض، وكنتم صادقين في تعطيلكم وكفركم بالمحيي المميت".
قوله:(إذا ساسهم) الجوهري: سست الرعية سياسة، وسوس الرجل أمور الناس على ما لم يسم فاعله، إذا ملك أمرهم.