وذلك هجيراه وديدنه، وقد عدى هذا الفعل باللام تارةً، وبنفسه أخرى في قوله تعالى:{وَتُسَبِّحُوهُ}[الفتح: ٩] وأصله: التعدي بنفسه، لأن معنى سبحته: بعدته عن السوء، منقول من سبح: إذا ذهب وبعد، فاللام لا تخلو إما أن تكون مثل اللام في: نصحته، ونصحت له، وإما أن يراد بسبح لله: أحدث التسبيح لأجل الله ولوجهه خالصًا.
{مَا فِي السَّمَوَاتِ والأَرْضِ} ما يتأتى منه التسبيح ويصبح.
فإن قلت: ما محل {يُحْيِي}؟
قلت: يجوز أن لا يكون له محل، ويكون جملةً برأسها؛ كقوله:{لَهُ مُلِكُ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ}[البقرة: ١٠٧] وأن يكون مرفوعًا على: هو يحيي ويميت، ومنصوبًا حالًا من المجرور في {لَهُ} والجار عاملًا فيها. ومعناه: يحيي النطف والبيض والموتى يوم القيامة، ويميت الأحياء.
{هُوَ الأَوَّلُ} هو القديم الذي كان قبل كل شيء {والآخِرُ} الذي يبقى بعد هلاك كل شيء، {والظَّاهِرُ} بالأدلة الدالة عليه، {والْبَاطِنُ} لكونه غير مدرك بالحواس.
بالمضارع، وفي {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}: بالأمر، فاستوعب جميع جهات هذه الكلمة، إعلامًا بأن المكونات من لدن إخراجها من العدم إلى الوجود إلى الأبد، مسبحة مقدسة لذاته سبحانه وتعالى قولًا وفعلًا، طوعًا وكرهًا، {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ}[الإسراء: ٤٤]، وإليه الإشارة بقوله:"إن من شأن من أسند إليه التسبيح أن يسبحه"، والضمير المستتر راجع إلى {مَا} في {مَا فِي السَّمَوَاتِ والأَرْضِ}، وكذا في "هجيراه وديدنه".
قوله:(أحدث التسبيح لأجل الله) قطع {سَبِّحِ} عن متعلقه، وأجراه على إطلاقه، وجعل اللام للتعليل، وعلى الأول اللام متعلق به، ولذلك استشهد بقوله:"نصحته ونصحت له".