بسبب العمل، وبه زيادة عليه وفضل، فإذا اعتبر جزاء المؤمنين مع تلك الزيادة يساوي أجر الصديقين وحده، فينبغي لهم الفضل عليهم بما يزاد على الجزاء، بناء على قاعدة الاعتزال، هذا لعمري تكلف، وركوب على التعسف.
ويمكن أن يقال: إن قوله: {والَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ورُسُلِهِ} مقابل لقوله: {والَّذِينَ كَفَرُوا وكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا}، وآياتنا جمع مضاف يفيد الاستغراق، فيتناول جميع آيات الله المختلفة الأنواع، ومكذبها يكون مفرط في الكذب لكثرة ما كذب به، فينبغي أن يفسر ما يقابله من قوله:{والَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ورُسُلِهِ} بالشمول والاستغراق، ولذلك جمع الرسل لأن من آمن بالله، وبجميع ما يجب أن يؤمن به من صفاته وأفعاله، وبجميع ما يضاف وينسب إليهم، يكون مفرطًا في الصدق لكثرة ما صدق به، فحينئذ يصح حمل الصديقين على أولئك، ويقع ضمير الفصل موقعه تعريضًا بالمكذبين، ويكون المراد بالشهداء: القائم بالشهادة، كما في قوله تعالى:{لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}[البقرة: ١٤٢].
وأما قوله:{أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الجَحِيمِ} فقد وقع مقابلًا لقوله: {أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ والشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ ونُورُهُمْ} فيجب أن يقدر في كل من المتقابلين ما هو مذكور في الآخر، ويؤيد هذا التأويل ما رواه الواحدي:{والَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ورُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ} قال مجاهد: كل من آمن بالله ورسله فهو صديق، ثم قرأ هذه الآية. وقال المقاتلان: هم الذين لم يشكوا في الرسل حين أخبروهم ولم يكذبوهم ساعة, وقال مسروق: هذه الآية للشهداء خاصة، وهم الأنبياء الذين يشهدون للأمم وعليهم، وهو قول مقاتل بن حيان واختيار الفراء والزجاج.