لابد منه، وإليه أشار بقوله:"دليل على فرط وثوقهم بحصانتها"، ثم في المرتبة الرابعة ظنوا أنهم مانعتهم حصونهم ليتقوى الحكم لإفادة تكثير الإسناد، وهو المراد من قوله:"دليل على اعتقادهم في أنفسهم أنهم في عزة ومنعة لا يبالى معها بأحد يتعرض لهم"، وإن لم يرد ما ذكر فما بال الترتيب لم يترك على أصله وهو: ظنوا أن لا يخرجوا؟ !
وأما قوله: إن حصونهم لا ترتفع بأنه مبتدأ كما ظنه إلا على وجه ضعيف، فيقال: إن صاحب المعاني كم له اختيار الوجه الضعيف عند التحري لاعتبار المعنى القوي، ألا ترى إليهم كيف حملوا قوله:"رجل عرف" على التقديم بناء على اللغة الضعيفة وهو: أكلوني البراغيث، والنحوي لا يبثه! وإلى قول المرزوقي في قوله:
وإن لم يكن إلا معرج ساعة .... قليلًا فإني نافع لي قليلها
يجوز أن يكون "قليلها" مبتدأ و"نافع" خبر له مقدم عليه، والتقدير: فإني قليلها نافع لي. فسلك أبو مسلم في هذه الآية هذا المسلك.
فإن قلت: كيف دل {أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم} على تقوى الحكم، لأن ليس مثل:"هو عرف" و"زيد عرف"، في تكرر الإسناد؟
قلت: تكرر الإسناد كما يكون من جهة تكرر المسند إليه قد يكون من جهة غيره، كما تقول: ضربت زيدًا ثم زيدًا ضربته، فالثاني تكرر فيه الإسناد وقوي الحكم فيه بخلاف الأول.
قال ابن جني: قالوا: زيد ضربته، فقدموا المفعول؛ لأن الغرض هاهنا ليس ذكر الفاعل،