وقوله:{أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} تكرير للوعيد وبيان لكونه مترقبًا، كأنه قال: أعد الله لهم هذا العذاب فليكن لكم ذلك، {يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} من المؤمنين لطفًا في تقوى الله وحذر عقابه. ويجوز أن يراد إحصاء السيئات واستقصاؤها عليهم في الدنيا، وإثباتها في صحائف الحفظة، وما أصيبوا به من العذاب في العاجل؛ وأن يكون {عَتَتْ} وما عطف عليه صفة للقرية، , {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ} جوابًا لـ {وكَأَيِّن}.
{رَسُولاً} هو جبريل صلوات الله عليه: أبدل من {ذِكْرًا}؛ لأنه وصف بتلاوة آيات الله، فكان إنزاله في معنى إنزال الذكر؛ فصح إبداله منه، أو أريد بـ"الذكر": الشرف، من قوله:{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ}[الزخرف: ٤٤] فأبدل منه، كأنه في نفسه شرف، غما لأنه شرف للمنزل عليه، وإما لأنه ذو مجد وشرف عند الله، كقوله تعالى:{عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} بالتكوير: ٢٠] أو جعل لكثرة ذكره لله وعبادته كأنه ذكر، أو أريد: ذا ذكر، أي: ملكًا مذكورًا في السماوات وفي الأمم كلها، أو دل قوله:{أَنزَلَ اللَّهُ إلَيْكُمْ ذِكْرًا} على "أرسل" فكأنه قيل: أرسل رسولًا؛ أو أعمل {ذِكْرًا} في {رَسُولاً} إعمال المصدر في المفاعيل، أي: أنزل الله أن ذكر "رسولًا" أو ذكره "رسولًا". وقرئ:(رسول)، على: هو رسول أنزله.
قوله:(ويجوز أن يراد)، عطف على قوله:"والمراد حساب الآخرة"، وعلى هذا مجيءلا"حاسبنا" و"عذبنا" ماضيين على ظاهرهما، وقوله:"أن يكون {عَتَت} وما عطف عليه صفة للقرية" من تتمة هذا الوجه، و {أَعَدَّ اللهُ} جواب لـ"كأين"، وعلى الأول:{عَتَت} جواب "كأين"، {أَعَدَّ اللهُ}، تكرير وبيان، والمراد بالجواب الخبر، لأن "كأين" بمعنى "كم" الخبرية.
قوله: (أو دل قوله {أَنزَلَ اللَّهُ إلَيْكُمْ ذِكْرًا} على "أرسل")، عطف على قوله:" {رَسُولاً}، أبدل من {ذِكْرًا} ".
اعلم أن {رَسُولاً} في قوله تعالى: {قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولاً} إما أن يكون معمولًا لـ {أَنزَلَ} على الإبدال من الذكر، أو لا يكون معمولًا له، فعلى الأول: المراد بالرسول جبريل عليه السلام، لأنه هو الذي أنزله الله تعالى بالرسالة إلى الأنبياء.