{إنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ} بالمجانين على الحقيقة، وهم الذين ضلوا عن سبيله، {وهُوَ أَعْلَمُ} بالعقلاء وهم المهتدون، أو يكون وعيدا ووعدا، وأنه أعلم بجزاء الفريقين.
{فَلا تُطِعِ المُكَذِّبِينَ} تهييج وإلهاب للتصميم على معاصاتهم، وكانوا قد أرادوه على أن يعبد الله مدة، وآلهتم مدة، ويكفوا عنه غوائلهم. {لَوْ تُدْهِنُ} لو تلين وتصانع {فَيُدْهِنُونَ}.
فإن قلت لم رفع {فَيُدْهِنُونَ} ولم ينصب بإضمار "أن" وهو جواب التمني؟
قلت: قد عدل به إلى طريق آخر، وهو أن جعل خبر مبتدأ محذوف، أي: فهم يدهنون، كقوله تعالى:{فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ}[الجن: ١٣] على معنى: ودوا لو تدهن
قوله:(أو يكون وعيدًا ووعدًا)، عطف على قوله:"إن ربك هو أعلم بالمجانين على الحقيقة". فعلى الأول: مجرى على الاستدراج وإرخاء العنان؛ لأن قوله {فَسَتُبْصِرُ ويُبْصِرُونَ * بِأَيِّكُمُ المَفْتُونُ} وارد عليه، لأن المسلمين كانوا يعلمون أن المفتونين كانوا أضدادهم، نحو قوله تعالى:{وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}[سبأ: ٢٤]. المعنى: لا أنتم أيها المؤمنون تدرون ولا الكفرة، من ضل عن سبيله ومن اهتدى، والله على الحقيقة هو أعلم.
وعلى الثاني: إن الله يعلم أحوال المؤمنين وما هم عليه من الهدى، فيثيبهم بذلك، ويعلم كفر المعاندين وضلالهم فيعاقبهم عليه.
قوله:(معاصاتهم)، وهي نقبض المطاوعة. الجوهري:"يقال: عصاه يعصيه عصيانًا ومعصية، وعاصاه أيضًا؛ مثل: عصاه".
قوله:({فَلا يَخَافُ})، أي: فهو لا يخاف، ولهذا لم يجزم.