قوله:(معناه: أنها لا تثنى في وقتها) أي: تقع النفخة الأخرى بعدها بزمان، روي عن المصنف رحمه الله أنه قال:"النفخة: المرة، ودلالتها على النفخ اتفاقية غير مقصودة، وحدوث الأمر العظيم بها وعلى عقبها، إنما استعظم من حيث وقوع النفخ مرة واحدة، لا من حيث إنه نفخ، فنبه على ذلك بقوله:{وَاحِدَةٌ} ".
فإن قلت: هذا مضاد لقول ابن الحاجب في "شرحه": "إن {نَفْخَةٌ} لم توضع للدلالة على الوحدة على حيالها، وإنما وضعت للدلالة على النفخ، والدلالة على الوحدة ضمن "لا"، مقصود بوضع اللفظ المركب له".
قلت: لا مناقضة، لأن المصنف راعى مقتضى المقام، وأن مثل {نَفْخَةٌ} حامل لمعنيين: الجنسية والعدد. لما كان المعني الذي يساق إليه الحديث، وهو حدوث الأمر العظيم، اقتضى العدد، شفع بما يؤكد، فدل به على أن العناية به أتم. ولو قيل: ونفخ في الصور نفخة ولم يؤكدها، لم يحسن، وخيل أنه أثبت معنى النفخ لا المرة. ذكر نحوه في قوله:{لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ}[النحل: ٥١].
وابن الحاجب نظر إلى ظاهر اللفظ من غير اعتبار المقام، واستقلال النفخة في معنى ما وضعت له، وأن دلالاتها على الوحدة ضمن. وقوله: شفع بما يؤكد، ليس بنص على أن "الواحدة" تأكيد لا صفة، لمجيء الصفة المؤكدة على هذا النهج.