للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الذين جاهدوا أنفسهم وحملوها على المكاره وظلّفوها عن الشهوات، حتى لم يكونوا جازعين ولا مانعين. وعن النبي صلى الله عليه وسلم «شرّ ما أعطي ابن آدم شحّ هالع وجبن خالع».

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وتحريره أنه تعالى لما وصف النار بما وصف، ثم أخبر أنها {تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (وَجَمَعَ فَأَوْعَى}، وهي أم الرّذائل، وشر خصال وعلل الأخيرين بقوله: {إِنَّ الْإِنسَانَ} إلى آخره، بمعنى: أن قلة الصبر، وشدة الحرص من جبلة الإنسان، وهما اللذان حملاه على جمع المال، والمنع من الإنفاق في سبيل الله، كما قال ابن عباس: "إذا أصابه الفقر لم يَصبر، وإذا أصاب المال لم يُنفق" - استطرد ذكر الذين خصصهم بالفضائل، واستخلص قلوبهم من تلك الرذائل، كقوله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى} [الحجرات: ٣]، فوصفهم بخصال ثمان مُضادة لتلك الخصال الأربع، لأنها دالة على الاستغراق في طاعة الله، والشفقة على خلق الله، وعلى الإيمان بالجزاء والخوف من العقوبة، وكَسرِ الشّهوات، وإيثار الآجل على العاجل، ثم حكم لهم أنهم في جنات مُكرمون. ثم فرع عليه بالفاء قوله: {فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ}، تخصيصاً بعد تعميم، ورجعاً إلى بدء، لأنهم من المستهزئين الذين افْتُتِحت السورة بسؤالهم. والله أعلم.

قوله: (وظَلَّفوها)، الجوهري: "ظَلَفَ نفسه عن الشيء يَظلفها ظلفاً، أي: مَنَعها من أن تَفعله أو تأتيه". وعن بعضهم: يقال: أرض ظلفة، أي: خشنة تمنع عن الشيء.

قوله: (شر ما أُعطي ابن آدم)، الحديث من رواية أبي داود، عن أبي هريرة: "شَرّ ما في الرَّجل شُحٌّ هالع وجُبن خالع". قال صاحب "الجامع": الشُّحّ: أشدُّ البُخل، والهلع: أشد الجزع، والمراد أن الشحيح يجزع جزعاً شديداً، ويحزن على دِرهم يفوته ويخرج عن

<<  <  ج: ص:  >  >>