فقالت قريش: صبأ - والله - الوليد، والله لتصبأن قريش كلهم؛ فقال أبو جهل: أنا أكفيكموه، فقعد إليه حزينا وكلمه بما أحماه، فقام فأتاهم فقال: تزعمون أن محمداً مجنون، فهل رأيتموه يخنق؟ وتقولون إنه كاهن، فهل رأيتموه قط يتكهن؟ وتزعمون أنه شاعر، فهل رأيتموه يتعاطى شعراً قط؟ وتزعمون أنه كذاب، فهل جربتم عليه شيئا من الكذب؟
كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم: ٢٤]؛ استعار الوليد الشجرة للقرآن على التمثيلية أو المكنية، فجعل له الأعلى الذي هو الفرع، ورشحه بقوله: لمثمر، وأنبت له الأسفل الذي هو الأصل، ورشحه بقوله: لمغدق، وكنّى بقوله:"لمُغدق" عن كونها ثابتاً أصلها ريان فرعها. وتمم معنى ترشيح المثمر بقوله: لحلاوة، وتمم ترشيح المُغدق بقوله: لطلاوة؛ فقوله:"إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة" كالتمهيد للاستعارة وترشيحها، وقوله:"وإنه يعلو وما يعلى" كالخاتمة للمجموع، والزُّبدة والغاية: ما أفصح هذا الكلام! ولم يكن كذلك إلا لأنه مدح لأحسن الكلام.
قوله:(صبأ والله الوليد)، النهاية:"يقال: صبأ فلان إذا خرج من دين إلى دين غيره، وكانوا يُسموت من يدخل في الإسلام" مَصْبوَّا، لأنهم كانوا لا يهمزون، فأبدلوا من الهمزة واواً، ويُسمون المسلمين الصُّباة بغير همز، كأنه جمع الصابي غير مهموز، كقاضٍ وقضاة، وغازٍ وغُزاة".
قوله:(فهل رأيتموه يُخنق)، كانوا يعتقدون أن الجن تخنق المجنون وتتخبطه. في "المُغرب": "الخنق بكسر النون: مصدر "خَنَقه"؛ إذا عصر حلقه. يُقال: خنقته العبرة، يعني: غصَّ بالبكاء حتى كأن الدموع أخذت بمخنقه".