فإن قلت: قوله تعالى (فَلا ورَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ)[النساء: ٦٥] والأبيات التي أنشدتها، المقسم عليه فيها منفي، فهلا زعمت أن «لا» التي قبل القسم زيدت موطئة للنفي بعده ومؤكدة له، وقدرت المقسم عليه المحذوف هاهنا منفيا، كقولك:(لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ القِيَامَةِ)، لا تتركون سدى؟
قلت: لو قصر الأمر على النفي دون الإثبات لكان لهذا القول مساغ، ولكنه لم يقصر، ألا ترى كيف لقى (لا أُقْسِمُ بِهَذَا البَلَدِ)[البلد: ١] بقوله: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ)[التين: ٤]، وكذلك (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ)[الواقعة: ٧٥]، بقوله:(إنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ)[الواقعة: ٧٧]؟
وقال الإمام:"وفيه إشكال، لأن إعادة حرف النفي مرة أخرى في قوله:{وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ}، يقدح فيه".
قوله:({فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ}[النساء: ٦٥])، قال في تفسيره:"معناه: فوربك، و"لا" مزيدة لتأكيد معنى القسم، كما زيدت في {لِّئَلَّا يَعْلَمَ}[الحديد: ٢٩] لتأكيد وجود العلم. و {لَا يُؤْمِنُونَ} جواب القسم.
فإن قلت: هلا زعمت أنها زيدت لتظاهر {لَا} في {لَا يُؤْمِنُونَ}؟ قلت: يأبى ذلك استواء النفي والإثبات فيه، وذلك قوله:{فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ}[الحاقة: ٣٨ - ٤٠] "، وإليه الإشارة ها هنا بقوله:"لو قصروا الأمر على النفي دون الإثبات، لكان لهذا القول مساغ". وقد ذكرنا نظر صاحب "التقريب" فيه، حيث قال:"إنه تأكيد النفي في المنفى فقط" إلى آخره. وذكرنا كلام صاحب "الانتصاف" عليه، فلينظر هناك.