وأما كيفية التخلص، فهو أنه عز وجل، لما ساق حديث القيامة، وكان حديثاً مُتضمناً للمعنى المذكور، عن بجانبه الأقدس حديث آخر لنبيه صلوات الله عليه، وهو عادته من العجلة، فأراد أن يردعه على وجه لا يُوحشه ولا ينفره، قال:{كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ}، وإليه الإشارة بقوله:({كَلَّا} ردع لرسول الله? عن عادة العجلة، وإنكار لها عليه). ولا يبعد ذلك، لأن تنزيل الآيات مُوزعاً على الأوقات، لقمع صفات البشرية عنه حالاً غب حال، تأديب من الله لحبيبه، رحمة خاصة له وعامة لأمته، ليكون خُلقُه القرآن؛ فوسط بين الكلامين حديث عجلته، وقلة أناته عند نزول القرآن، ليكون كالتمهيد لهذا الرَّدع الفظيع والإنكار الهائل؛ لله در المصنف ولطيف عباراته ودقيق إشاراته!
وقريب مما ذكرنا قول الإمام:"إنه تعالى نقل عن الكفار أنهم يحبون السعادة العاجلة، وذلك قوله تعالى:{بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ}، وبين أن التعجيل مذموم مطلقاً، حتى التعجيل في أمور الدين، فقال:{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِي}، وقال في آخر الآية:{كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ} ".
أقول قولاً إن أصاب فمن لطف الله تعالى وفيض كرمه، وإلا فأنا أستغفر الله من ذلك: إن قوله: {كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ}، متصل بقوله:{وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ}، أي: يقال للإنسان عند إلقاء معاذيره: كلا، إن أعذارك غير مسموعة، لأنك فجرت وفسقت، وظننت أنك تدوم على فجورك، وأن لا حشر ولا عقاب، وذلك من حبك العاجلة والإعراض عن الآخرة، وكان من عادته صلوات الله عليه، إذا لُقّن الوحي، أن ينازع جبريل القراءة ويتعجل فيها، وقد اتفق عند التلقين بالآيات السابقة، ما جرت به عادته من العجلة، فلما وصل إلى قوله:{أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ}، أوحى الله تعالى إلى جبريل عليه السلام، بتأديبه في أخذ القراءة، وألقى إليه تلك