(كَلاَّ) ردع عن المعاتب عليه، وعن معاودة مثله، (إنَّهَا تَذْكِرَةٌ) أي: موعظة يجب الاتعاظ والعمل بموجبها. (فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ) أي: كان حافظاً له غير ناس، وذكر الضمير؛ لأنّ التذكرة في معنى الذكر والوعظ. (فِي صُحُفٍ) صفة لتذكرة، يعني: أنها مثبتة في صحف منتسخة من اللوح، (مُّكَرَّمَةٍ) عند الله (مَرْفُوعَةٍ) في السماء. أو مرفوعة المقدار، (مُّطَهَّرَةٍ) منزهة عن أيدي الشياطين، لا يمسها إلا أيدي ملائكة مطهرين. (سَفَرَةٍ) كتبة ينتسخون الكتب من اللوح. (بَرَرَةٍ) أتقياء. وقيل: هي صحف الأنبياء، كقوله:(إنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى)[الأعلى: ١٨] وقيل السفرة: القراء. وقيل: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله:({فِي صُحُفٍ}: صفة لتذكرة)، قيل للمصنف: قوله تعالى: {فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ} اعتراض؟ قال: لا؛ لأن من شرط الاعتراض أن يكون بواو وبدون واو، فأما بالفاء فلا، ولكنه حث على الذكر والتذكرة، أي: فتذكرها، وعلى كل مسلم أيضاً يجب ذلك.
وقلت: أراد أنه استطراد، وبيانه: أنه لما خاطب النبي? بذلك الخطاب الهائل قيل: {كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ}، أي: أن تلك المعاتبة موعظة للسامعين؛ فإن النبي? بجلالته إذا عوتب بذلك الخطاب الفظيع لذلك التصدي والتلهي، فما بال غيره؟ وإذا كان كذلك، فتذكرها أيها السامع. وكان من الظاهر أن يؤخر قوله:{فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ} عن وصف التذكرة، فقدم لشدة العناية بها، ولعظم الحادثة عظم الكتب ووصفها بتلك الأوصاف العظيمة، ثم قيل:{قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ}، فجمع في ألفاظ قليلة معاني كثيرة، ثم فصل بقوله:{مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ}، إلى آخره.
قوله:{بَرَرَةٍ}: أتقياء)، وعن بعضهم: قيل: {كِرَامٍ بَرَرَةٍ}، لأنه لو لم يكن لهم من الكلام إلا هذه الواحدة لكفت به، وهي أنهم مع غنيتهم وأنهم في أعلى عليين، يستغفرون للمؤمنين ويذكرون خيرهم، وأنت لا تذكر أخاك إلا بالسوء والقُبح.