لأنّ الناس يصخون لها، يَفِرُّ منهم لاشتغاله بما هو مدفوعٌ إليه، ولعلمه أنهم لا يغنون عنه شيئاً؛ وبدأ بالأخ، ثم بالأبوين؛ لأنهما أقرب منه، ثم بالصاحبة والبنين؛ لأنهم أقرب وأحب؛ كأنه قال: يفرّ من أخيه، بل من أبويه، بل من صاحبته وبنيه. وقيل: يفرّ منهم حذراً من مطالبتهم بالتبعات. يقول الأخ: لم تواسني بمالك، والأبوان: قصرت في برنا، والصاحبة: أطعمتني الحرام وفعلت وصنعت، والبنون: لم تعلمنا ولم ترشدنا، وقيل: أوّل من يفرّ من أخيه: هابيل؛ ومن أبويه: إبراهيم، ومن صاحبته: نوحٌ ولوط؛ ومن ابنه: نوح، (يُغْنِيهِ) يكفيه في الاهتمام به. وقرئ:(يعنيه)، أي: يهمه، (مُسْفِرَةٌ) مضيئةٌ متهللة، من أسفر الصبح: إذا أضاء. وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: من قيام الليل؛ لما روى في الحديث:«من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار»، وعن الضحاك: من آثار الوضوء، وقيل: من طول ما اغبرت في سبيل الله (غَبَرَةٌ) غبارٌ يعلوها، (قَتَرَةٌ) سوادٌ كالدخان؛ ولا ترى أوحش من اجتماع الغبرة والسواد في الوجه، كما ترى من وجوه الزنوج إذا اغبرت؛ وكأن الله عز وجل يجمع إلى سواد وجوههم الغبرة، كما جمعوا الفجور إلى الكفر.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة (عبس وتولى) جاء يوم القيامة ووجهه ضاحكٌ مستبشر».
قوله:{فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (يَوْمَ يَتَذَكَّرُ}[النازعات: ٣٤]: [{يَوْمَ يَتَذَكَّرُ}]: بدل من "إذا جاءت"، يعني: إذا رأى أعماله مدونة في كتابه تذكرها وكان قد نسيها، فالمعنى: فإذا جاءت الصاخة يوم يفر المرء من أخيه.
قوله:(بما هو مدفوع إليه)، أي: من الأمور القادحة التي تثقله كقوله تعالى: {وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى}[فاطر: ١٨]. الأساس: دفعت إلى أمر كذا، وأنا مدفوع إليه: مضطر.