الغرور، ووجود الغرور حُكم يصح ترتبه على وصف الكرم؛ لأنه مناسب، فكيف أنكره؟ يدل على المناسبة حديث عليٍّ رضي الله عنه مع غلامه. وأجاب أن وصف الكرم في الآية مُقيد مقرون بقوله:{خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ}، ومعناه: أنه تكرم على الإنسان بأن أخرجه من العدم إلى الوجود أولاً، ثم تفضل عليه ثانياً بأن مكنه من العمل، وعرضه للثواب والعقاب، ليعرف حق تلك النعمة ويشكر ربه، فلما قصر فيه وغفل عنه أنكر عليه بقوله:{يَاأَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (الَّذِي خَلَقَكَ}، يعني: من حق الإنسان أن لا يغتر بهذا الكرم، بل يجتهد في العمل ويقابل تلك النعمة بالشكر ولا يقول: قد أحسن الله إليّ حيث أوجدني من العدم، كذلك يحسن إليَّ إذا أنا مِتُّ فيغفر لي، وهو المراد من قوله:"اغتراراً بالتفضل الأول".
وحاصله: أنه تعيير وتوبيخ، وليس بإطماع، فقوله:"وبتفضله" عطف على "بتكرم الله"، و"حتى": غاية "أن لا يغتر". وقوله:"أن يتفضل": مفعول "يطمع"، و"اغتراراً": علة لقوله: "حتى يطمع أن يتفضل عليه بالثواب". وقوله:"فإنه مُنكر"، مسبب عن قوله:"إن حق الإنسان أن لا يغتر"، إلى آخره. وقوله:"وقيل: للفضيل" جواب عن سؤال مقدر، يعني: إذا كان القيد ما ذكرت، فكيف قيده فُضيل بالستور المرخاة. وأجاب: أن كلامه مبني على الاعتراف بالقصور لا على الاعتذار؛ لأن فُضيلاً كان يغلب عليه الخوف، وأنشد صاحب "المطلع" لمحمد بن السماك في المعنى:
يا كاتم الذنب أما تستحي [و] الله في الخلوة ثانيكا
غرك من ربك إمهاله وستره طول مساويكا
قال صاحب "الانتصاف": "هذه جعجعة فارغة، فالآية في الكفار لقوله: {كَلَّا بَلْ