ووصفه ذاته برب العالمين: بيانٌ بليغٌ لعظم الذنب وتفاقم الإثم في التطفيف، وفيما كان في مثل حاله من الحيف وترك القيام بالقسط، والعمل على السوية والعدل في كل أخذٍ وإعطاء، بل في كل قولٍ وعمل، وقيل: الظنّ بمعنى اليقين، والوجه ما ذكر؛
مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: ٧ - ٨]، وفي تخصيص رب العالمين من بين سائر الصفات إشعار بالمالكية والتربية، فلا يمتنع عليه الظالم القوي، ولا يترك حق المظلوم الضعيف. وليس ذلك كله لأجل التطفيف من حيث هو التطفيف، بل من حيث إن الميزان قانون العدل والاستقامة، وهو الحكمة في الخلق والتكليف والحشر والنشر، ومن تطفف حاول إبطال حكمة الله في الدارين. قال الإمام: "اعلم أن أمر المكيال والميزان عظيم، وبه قامت السموات والأرض، قال الله تعالى:{وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ}[الرحمن: ٧ - ٩]، وقال الله تعالى:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}[الحديد: ٢٥].
وعن بعضهم: الغرض من هذه التعظيمات كلها، تعظيم التطفيف من حيث إن الميزان قانون العدل، كما إذا قال الحالف: والله الطالب الغالب الحي القيوم الذي لا يَخفّى عليه شيء لا أفعل. هذا تعظيم للمقسم عليه لا تعظيم للمقسم به.
قوله:(وقيل: الظن بمعنى اليقين، والوجه ما ذكر)، من أن المراد الإنكار والتعجيب، وأن المعنى أنهم لا يخطرون ببالهم ولا يخمنون تخميناً أنهم مبعوثون ومحاسبون على مقدار الذرة، فإذا لا يدخل اليقين في المعنى. وعن بعضهم: أُلحق باخس حقوق الناس بالكفار بقوله: {أَلَا يَظُنُّ}، كقوله تعالى حكاية عن ظنهم:{إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ}[الجاثية: ٣٢]، بل جعلهم أسوأ حالاً من الكفار؛ لأنه أثبت للكفار ظناً ولم يثبت لهؤلاء. وفي اسم الإشارة إشارة إلى الشتيمة.