ولهم عذاب الحريق في الدنيا، لما روي أن النار انقلبت عليهم فأحرقتهم. ويجوز أن يريد: الذين فتنوا المؤمنين، أي: بلوهم بالأذى على العموم؛ والمؤمنين: المفتونين؛ وأن للفاتنين عذابين في الآخرة: لكفرهم، ولفتنتهم.
البطش: الأخذ بالعنف؛ فإذا وصف بالشدة فقد تضاعف وتفاقم: وهو بطشه بالجبابرة والظلمة، وأخذهم بالعذاب والانتقام، (إنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ ويُعِيدُ) أي يبدئ البطش ويعيده. يعني: يبطش بهم في الدنيا وفي الآخرة، أو دل باقتداره على الإبداء والاعادة على شدة بطشه، وأوعد الكفرة بأنه يعيدهم كما أبدأهم ليبطش بهم،
قوله:(ويجوز أن يريد: الذين فتنوا المؤمنين، أي: بلوهم بالأذى على العموم)، معنى الآية تذييل للكلام السابق، وتوكيد لمعنى قوله:{قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ}. وعلى الوجه السابق وهو أن يراد: بـ {الَّذِينَ فَتَنُوا} أصحاب الأخدود خاصة، وبـ {الَّذِينَ آمَنُوا} المطروحين، يكون لمجرد معنى {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ}، من باب المظهر الذي وضع أقيم موضع المضمر.
قوله:(أو دل باقتداره على الإبداء)، يريد أن قوله:{إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ}، استئناف على بيان موجب شدة البطش، ولما كان {يُبْدِئُ وَيُعِيدُ} مُطلقين، تركهما في هذا الوجه على إطلاقهما، لإفادة أنه يُبدئ المخلوقات كلها ويعيدها بأسرها، كقوله تعالى:{إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ}[يونس: ٤]. فمن كان كذلك كان قادراً على الإطلاق، وكان بطشه شديداً لاقتداره العظيم. وصرح بالمفعول في الوجهين: أما في الأول، فالمفعول البطش لدلالة {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ}، وأما في الثاني فضمير الكفرة المار ذكرهم، ليؤذن بضرب من الوعيد كما قال.