للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأيتهما كانت فهي مما يتلقى به القسم، حافظ مهيمن عليها رقيب، وهو الله عز وجل (وكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا) [الأحزاب: ٥٢]، (وكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا) [النساء: ٨٥]، وقيل: ملك يحفظ عملها ويحصي عليها ما تكسب من خير وشر. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «وكل بالمؤمن مائة وستون ملكاً يذبون عنه كما يذب عن قصعة العسل الذباب، ولو وكل العبد إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين».

[(فَلْيَنظُرِ الإنسَانُ مِمَّ خُلِقَ • خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ • يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ والتَّرَائِبِ) ٥ - ٧]

فإن قلت: ما وجه اتصال قوله (فَلْيَنظُرِ) بما قبله؟

قلت: وجه اتصاله به، أنه لما ذكر أن على كل نفسٍ حافظاً،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إلا عليها حافظ. وإذا قُرئ مخففة تكون "إنْ" مخففة من الثقيلة، و"ما" في "لما" صلة، أي: إن كل نفس لعليها حافظ، وأيتهما كانت، فهي مما يتلقى به القسم. قال الزجاج: "استعملت "لما" في موضع "إلا" في موضعين، أحدهما هذا، والآخر في باب القسم، تقول: سألتك لما فعلت، بمعنى: إلا فعلت".

قوله: (وجه اتصاله [به] أنه لما ذكر)، وتحريره أنه تعالى لما أثبت أن على كل نفس حافظاً، يكتب أعمالها دقيقها وجليلها، خيرها وشرها على التوكيد القسمي، عُلم أنه تعالى ما خلق الخلق سُدى وعبثاً، بل خلقهم لأمر خطير وخطب عظيم، وما ذاك إلا ليعرفوا مالكهم وخالقهم، ويعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وعُلم منه أنه لا بد من ثواب المطيع وعقاب العاصي، ومن الرجوع إلى المالك العادل للوصول إلى ما لكل منهما، قال الله تعالى: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ} [يونس: ٤].

فمن أنكر ذلك، فلينظر إلى نفسه {مِمَّ خُلِقَ} إلى قوله {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ}، وهو المراد من قوله: "أتبعه توصية الإنسان بالنظر في أول أمره"، إلى قوله "ولا يُملي على حافظه من الأعمال إلا ما يَسُرُه في عاقبته".

<<  <  ج: ص:  >  >>