قلت: قد انتظم هذه الأشياء نظر العرب في أوديتهم وبواديهم؛ فانتظمها الذكر على حسب ما انتظمها نظرهم، ولم يدع من زعم أن الإبل السحاب إلى قوله إلا طلب المناسبة، ولعله لم يرد أن الإبل من أسماء السحاب، كالغمام والمزن والرباب والغيم والغين، وغير ذلك، وإنما رأى السحاب مشبهاً بالإبل كثيراً في أشعارهم، فجوز أن يراد بها السحاب على طريق التشبيه والمجاز. (كَيْفَ رُفِعَتْ) رفعاً بعيد المدى بالإمساك وبغير عمد. (كَيْفَ نُصِبَتْ) نصباً ثابتاً، فهي راسخة لا تميل ولا تزول، (كَيْفَ سُطِحَتْ) سطحاً بتمهيد وتوطئة، فهي مهاد للمتقلب عليها. وقرأ علي بن أبى طالب رضي الله عنه: خلقت، ورفعت، ونصبت، وسطحت، على البناء للفاعل وتاء الضمير، والتقدير: فعلتها، فحذف المفعول. وعن هرون الرشيد أنه قرأ:(سطحت) بالتشديد
قوله:(إلا طلب المناسبة)، استثناء مفرغ، أي: لم يدعه شيء إلا طلب المناسبة.
قوله:(على طريق التشبيه والمجاز)، والمجاز عطف على طريق البيان، أي المجاز الذي يقع على طريق التشبيه، وهو الاستعارة، أي: استعار الإبل للسحاب بعد التشبيه به، والقرينة انضمامه مع السماء والجبال.
قوله: ("سُطِّحت" بالتشديد)، قال ابن جني:"وإنما جاز التضعيف بالتكرير، من قبل أن الأرض بسيطة فسيحة، فالعمل فيها مكرر على قدر سعتها، كقولك: قُطعت الشاة، لأنها أعضاء يختص بكل عضو منها عمل".