على أن يكون المعنى: أقسم بهذا البلد الشريف، ومن شرفه أنك حل به مما يقترفه أهله من المآثم متحرٌج بريٌء، فهو حقيق بأن أعظمه بقسمي به (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ) أي: في مرض، وهو مرض القلب وفساد الباطن، يريد: الذين علم الله منهم حين خلقهم أنهم لا يؤمنون ولا يعملون الصالحات. وقيل: الذي يحسب أن لن يقدر عليه أحد هو أبو الأشد، وكان قويًا يبسط له الأديم العكاظي فيقوم عليه ويقول: من أزالني عنه فله كذا، فلا ينزع إلا قطعًا ويبقى موضع قدميه. وقيل: الوليد بن المغيرة. (لُبَداً) قرى: بالضم والكسر: جمع لبدةٍ ولبدة، وهو ما تلبد يريد الكثرة: وقرئ: (لبدا) بضمتين: جمع لبود. ولبدا: بالتشديد جمع لا بد.
الضمير للإنسان لم كان المعنى ما ذكره وما وقع الاستفهام في {أَيَحْسَبُ} على التقديرين؟ ولم خص قوله:{وَأَنتَ حِلٌّ} على هذا بما خصه؟ ويمكن أن يقال: إن الكبد إذا فسر بالمشاق والشدائد رجع المعنى إلى مقاساة الرسول? من القوم المكابد؛ فحينئذ يكون {أَيَحْسَبُ} وراداً على توبيخ القوم، فيجب أن يكونوا أقواماً مخصوصين. وإذا فُسرت المكابدة بمرض القلب والعقائد الفاسدة، فالواجب أن يراد من جنس الإنسان الموصوف به. والمناسب على هذا أن يجعل {وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ}، توكيداً لبراءة ساحته صلوات الله عليه من هذه المكابدة، ومما اقترفوه من المآثم وأمراض القلب، وكالتعليل لتعظيم المقسم به. ولذلك قال:"ومن شرفه أنك حِلٌ به مما يقترفه أهله من المآثم".
قوله:(من المآثم)، الأساس:"وتخرج من كذا: تأثَّم، ووقع في الحرج وهو ضيق المأثم"؛ فقوله:(حل به متحرج بريء)، أخبار مترادفة.
قوله:(وقيل: الذي يحسب)، مردود إلى قوله:"والضمير في "يحسب" لبعض صناديد قريش"، وتعيين للمُبهم.
قوله:(ولُبداً، بالتشديد، جمع لابِد)، قال ابن جني: "هي قراءة أبي جعفر، ويجوز أن