للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ما أرى شيطانك إلا قد تركك، فنزلت. حذف الضمير من (قَلى) كحذفه من (الذَّاكِراتِ) في قوله: (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ)] الأحزاب: ٣٥ [يريد: والذاكراتة ونحوه: (فَآوى، فَهَدى، فَأَغْنى)، وهو اختصار لفظي لظهور المحذوف.

[(وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (٤) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى)] ٤ - ٥ [

فإن قلت: كيف اتصل قوله: (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى) بما قبله؟

قلت: لما كان في ضمن نفى التوديع والقلي، أنّ الله مواصلك بالوحي إليك، وأنك حبيب الله ولا ترى كرامةً أعظم من ذلك ولا نعمةً أجل منه: أخبره أن حاله في الآخرة أعظم من ذلك وأجل،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (وهو اختصار لفظي)، يعني: اختصر وحذف المفعول ليوافق الفواصل بدلالة: "ما ودعك" عليه.

قوله: (لما كان في ضمن نفي التوديع والقلى أن الله مواصلك)، قال الإمام: "ويمكن أن يقال: إن المعنى: ولأحوال الآتية خير لك من الماضية، كانه تعالى وعده بأنه سيزيده كل يوم عزاً إلى عز، ومنصباً إلى منصب".

وقال الإمام أيضاً: "لما نزلت {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}، حصل له بهذا تشريف عظيم، فكأنه استعظم ذلك، فقيل له: {وَلَلْأخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى}، يعني: هذا التشريف وإن كان عظيماً، إلا ما لك عند الله في الآخرة أعظم وأعلى".

وقلت: ويمكن أن يقال: وللآخرة خير لك في الاتصال والمحبة من الأولى، فيكتسب المعطوف من المعطوف عليه هذا المعنى، كما اكتسب المعطوف عليه منه معنى الأولية؛ فإن {مَا وَدَّعَكَ} و {وَمَا قَلَى}، معناه: قربك وأحبك في الدنيا، بدليل "وللآخرة"؛ وإن معنى {خَيْرٌ لَّكَ}، خير فيما يزلفك ويمنحك المحبة، بدلالة {مَا وَدَّعَكَ} و {وَمَا قَلَى}، إذ لا ينبغي أن يشاب

<<  <  ج: ص:  >  >>