ما أرى شيطانك إلا قد تركك، فنزلت. حذف الضمير من (قَلى) كحذفه من (الذَّاكِراتِ) في قوله: (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ)] الأحزاب: ٣٥ [يريد: والذاكراتة ونحوه: (فَآوى، فَهَدى، فَأَغْنى)، وهو اختصار لفظي لظهور المحذوف.
فإن قلت: كيف اتصل قوله: (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى) بما قبله؟
قلت: لما كان في ضمن نفى التوديع والقلي، أنّ الله مواصلك بالوحي إليك، وأنك حبيب الله ولا ترى كرامةً أعظم من ذلك ولا نعمةً أجل منه: أخبره أن حاله في الآخرة أعظم من ذلك وأجل،
قوله:(لما كان في ضمن نفي التوديع والقلى أن الله مواصلك)، قال الإمام:"ويمكن أن يقال: إن المعنى: ولأحوال الآتية خير لك من الماضية، كانه تعالى وعده بأنه سيزيده كل يوم عزاً إلى عز، ومنصباً إلى منصب".
وقال الإمام أيضاً:"لما نزلت {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}، حصل له بهذا تشريف عظيم، فكأنه استعظم ذلك، فقيل له:{وَلَلْأخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى}، يعني: هذا التشريف وإن كان عظيماً، إلا ما لك عند الله في الآخرة أعظم وأعلى".
وقلت: ويمكن أن يقال: وللآخرة خير لك في الاتصال والمحبة من الأولى، فيكتسب المعطوف من المعطوف عليه هذا المعنى، كما اكتسب المعطوف عليه منه معنى الأولية؛ فإن {مَا وَدَّعَكَ} و {وَمَا قَلَى}، معناه: قربك وأحبك في الدنيا، بدليل "وللآخرة"؛ وإن معنى {خَيْرٌ لَّكَ}، خير فيما يزلفك ويمنحك المحبة، بدلالة {مَا وَدَّعَكَ} و {وَمَا قَلَى}، إذ لا ينبغي أن يشاب