أو حتى احتمل المكاره التي يتعرض لك بها كفار قومك وغيرهم، أو فسحناه بما أودعناه من العلوم والحكم، وأزلنا عنه الضيق والحرج الذي يكون مع العمى والجهل. وعن الحسن: مليء حكمةً وعلمًا
يحتاج معه إلى احتمال ما لا يحتمله إلا ذو جأش رابط وصدر فسيح، فاستوهب ربه أن يشرح صدره؟ ". قلت: إن الهموم بقدر الهمم، ونعم ما قال الصاحب:
وقائلة لم عزتك الهموم وأمرك ممتثل في الأمم؟
فقلت: ذريني على غُصتي فإن الهموم بقدر الهمم
ولكل مقام مقال؛ فإن الكليم حين بعث إلى فرعون الطاغي، طلب الانشراح كما قال:{اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي}[طه: ٢٤ - ٢٥]، والحبيب لما طُلب إلى مقام {قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى}[النجم: ٩]، قيل له:{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ}، كما يجيء في حديث مالك بن صعصعة.
وقال جعفر الصادق: "ألم نشرح لك صدرك لمشاهدتي ومُطالعتي. وقال ابن عطاء: ألم نخل سرك عن الكل، فغبت عن مشاهدة الكون وما سوى الحق، فشرح صدرك للنظر، وشرح صدر موسى للكلام. وقال سهل: ألم نوسع صدرك بنور الرسالة، فجعلناه معدناً للحقائق".
قوله:(وعن الحسن: مُلئ حكمة وعلماً)، لعله يشير إلى ما رويناه عن البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، عن مالك بن صعصعة، عن النبي? : "بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان، فأُتيت بطست من ذهب فيها ماء زمزم، فشُرح صدري إلى كذا وكذا. قال قتادة: يعني لأنس: ما يعني؟ قال: إلى أسفل بطني، قال: فاستخرج قلبي فغُسل بماء زمزم، ثم أُعيد مكانه، ثم حُشي إيماناً وحكمة، ثم أُتي بدابة دون البغل وفوق الحمار" الحديث بطوله.