ونبه على فضل علم الكتابة لما فيه من المنافع العظيمة التي لا يحيط بها إلا هو، وما دونت العلوم ولا قيدت الحكم ولا ضبطت أخبار الأولين ومقالاتهم، ولا كتب الله المنزلة إلا بالكتابة؛ ولولا هي لما استقامت أمور الدين والدنيا؛ ولو لم يكن على دقيق حكمة الله ولطيف تدبيره ودليل إلا أمر القلم والخط، لكفى به. ولبعضهم في صفة القلم:
ورواقم رقش كمثل أراقم … قطف الخطا نيّالة أقصى المدى
سود القوائم ما يجدّ مسيرها … إلّا إذا لعبت بها بيض المدى
قوله:(ولبعضهم في صفة القلم)، قيل: يعني به نفسه. قُطف الخُطا: ضيقة الخُطا. الرُّقْش كالنقش، والرُّقش جمع الراقش. والأراقم جمع أرقم، وهي حية فيها سواد وبياض. ورواقم من الرقم وهو الكتابة. والمُدي جمع الُمدية وهي السكين العريض. يقول: رب أقلام منقوشة، كمثل الأراقم، متقاربة الخُطوة، لا تجد في السير إلا إذا قطعتها السكين.
قوله:(ردع لمن كفر بنعمة الله عليه بطغيانه)، الباء في "بنعمة الله" صلة "كفر" و"بطغيانه"، ومثلها: كتبت بالقلم.
قوله:(وإن لم يُذكر لدلالة الكلام عليه)، أي: وإن لم يُذكر الكافر بنعمة الله الطاغي على ربه، فإن الكلام السابق دل على أنه تعالى خلق الإنسان من العلقة، ثم علمه ما لم يكن يعلم، فرفعه من حضيض الخِسَّة إلى يفاع العلم والمعرفة، كأنه قيل: خلقنا الإنسان من علق،