فجاءه ثم نكص على عقبيه، فقالوا له: مالك يا أبا الحكم، فقال: إن بيني وبينه لخندقًا من ناٍر وهولًا وأجنحةً، (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى) ومعناه: أخبرني عمن ينهى بعض عباد الله عن صلاته، إن كان ذلك الناهي على طريقةٍ سديدةٍ فيما ينهى عنه من عبادة الله،
قوله:(وهولاً وأجنحةً)، أي: أولى أجنحةٍ، وهم الملائكة؛ كقوله تعالى:{الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُوْلِي أَجْنِحَةٍ}[فاطر: ١]. وفي الحديث:"إن الملائكة لتضع أجنحتها رضى لطالب العلم".
قوله:(ومعناه: أخبرني عمن ينهى بعض عباد الله)، قال الإمام:"أرأيت إن كان على الهُدى، خطاب لمن؟ فيه وجهان: أحدهما: أنه خطاب للنبي? ، ولو جعلناه لغيره لاختل النظم، لأن {أَرَءَيْتَ} الأولى والثالثة خطاب له، كأنه تعالى يقول: أيها الرسول، أرأيت إن كان على الهدى واختار الرأي الصائب والاهتداء والأمر بالتقوى، أما كان ذلك خيراً له من الكفر بالله والنهي عن حديثه؟ أي: تلهف عليه أنه كيف فوت على نفسه المراتب العالية.
وثانيهما: أنه خطاب للكافر، لأن الله تعالى كالمشاهد للظالم والمظلوم، والمولى القائم بين يديه المظلوم والظالم، والحاكم الحاضر عنده المدعي والمدعى عليه، يخاطب هذا مرة وهذا مرة، فلما خاطب النبي? بقوله:{أَرَءَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (عَبْدًا إِذَا صَلَّى}، التفت إلى الكافر وقال: أرأيت يا كافر إن كانت صلاته هدى، ودعاؤه إلى الله أمراً بالتقوى، أتنهاه مع ذلك؟ ".
وقلت: بناء الكلام على "إن" الشرطية، وعلى التنكير في {عَبْدًا} معلوم، لأنه الرسول? ، دل على أن المقام مقام إرخاء العنان والكلام المنصف. ولذلك خص المصنف لفظ "البعض" أولاً في قوله: "بعض عباد الله"، وقال كما يعتقد ثانياً، ثم ثلث بقوله:"كما نقول نحن"؛ فحينئذ الواجب أن يكون المخاطب بقوله:{أَرَءَيْتَ}، غير النبي? وغير الكافر، لقوله:"أخبرني عمن ينهى بعض عباد الله"، فإن الناهي والمنهي خارجان عن مورد