والمعنى: أنكم تكاثرتم بالأحياء حتى إذا استوعبتم عددهم صرتم إلى المقابر فتكاثرتم بالأموات؛ عبر عن بلوغهم ذكر الموتى بزيارة المقابر تهكمًا بهم. وقيل: كانوا يزورون المقابر فيقولون: هذا قبر فلاٍن وهذا قبر فلاٍن عند تفاخرهم. والمعنى: ألهاكم ذلك وهو مما لا يعنيكم ولا يجدي عليكم في دنياكم وآخرتكم عما يعنيكم من أمر الدين الذي هو أهم وأعنى من كل مهم. أو أراد: ألهاكم التكاثر بالأموال والأولاد إلى أن متم وقبرتم، منفقين أعماركم في طلب الدنيا والاستباق إليها والتهالك عليها، إلى أن أتاكم الموت لا همّ لكم غيرها، عما هو أولى بكم من السعي لعاقبتكم والعمل لآخرتكم. وزيارة القبور: عبارة عن الموت؛ قال:
لن يخلص العام خليل عشرا … ذاق الضّماد أو يزور القبرا
قوله:(صرتم إلى المقابر فتكاثرتم بالأموات)، فعلى هذا، {الْمَقَابِرَ} كناية عن الانتقال من ذكر الأحياء إلى ذكر الأموات تفاخراً؛ وإنما كان تهكماً، لأن زيارة القبور شُرعت لتذكر الموت، ورفض حب الدنيا، وترك المباهاة والتفاخر. وهؤلاء عكسوا، جيث جعلوا زيارة القبور سبباً لمزيد القسوة، والاستغراق في حب الدنيا، والتفاخر في الكثرة. روينا عن مسلم وأبي داود والنسائي، عن بريدة قال: قال رسول الله? : "نهيتكم عن زيارة القبور؛ فزوروها". وفي رواية أبي داود:"فزوروها؛ فإنها تذكركم الآخرة".
قوله:(أو أراد: ألهاكم التكاثر بالأموال والأولاد إلى أن متم)، فحاصل الوجوه الثلاثة راجع إلى أن المراد بالزيارة، إما الانتقال من الذكر إلى الذكر، أو إلى حقيقة الزيارة، أو إلى الموت. و"مُنفقين" حال من {أَلْهَاكُمُ}، و"عما هو أولى بكم" متعلق بألهاكم.
قوله:(لن يخلص العام)، البيت قال في "الفائق": "ضمد المرأة جمعها واتخاذها