(أَخْلَدَهُ) وخلده بمعنى أي: طوّل المال أمله، ومناه الأماني البعيدة، حتى أصبح لفرط غفلته وطول أمله يحسب أنّ المال تركه خالدًا في الدنيا لا يموت، أو يعمل من تشييد البنيان الموثق بالصخر والآجر وغرس الأشجار وعمارة الأرض، عمل من يظن أن ماله أبقاه حيًا. أو هو تعريض بالعمل الصالح، وأنه هو الذي أخلد صاحبه في النعيم؛ فأما المال فما أخلد أحدًا فيه. وروى أنه كان للأخنس أربعة آلاف دينار، وقيل: عشرة آلاف.
فقوله:"وقيل: {وَعَدَّدَهُ}، معناه: وعده" عطف على قوله: " {وَعَدَّدَهُ}، أي: جمع المال وضبط عدده" فعلى هذا: هو مفعول فعل محذوف على طريقة قوله
علفتها تبناً وماءً بارداً
قوله:(أو يعمل)، عطف على قوله:"يحسب"، وقوله:"أو هو تعريض" عطف على قوله: "أي: طول المال أمله"، إلى آخره، من حيث المعنى. ولذلك غير العبارة؛ فهو وجهان على تقدير وجوه ثلاثة، وتقرير ذلك أن "يحسب" حال من الضمير في "جمع"، والحُسبان: إما حسبان الخلود في الدنيا، أو في النعيم أبداً، كما قال القائل:{وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا}[الكهف: ٣٦]، وقال العاص بن وائل:{وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا}[مريم: ٧٧]. وعلى الأول: الحُسبان إما حقيقي؛ فهو المراد من قوله:"يحسب أن المال تركه خالداً في الدنيا"، أو مجازي؛ فهو المعنى بقوله:"أو يعمل من تشييد البنيان"، كما قال تعالى:{أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ}[الشعراء: ١٢٨ - ١٢٩]. وعلى الثاني: في الآية تعريض.