ويكون جواب (أَرَأَيْتَ) محذوفًا لدلالة ما بعده عليه، كأنه قيل: أخبرني، وما تقول فيمن يكذب بالجزاء؟ وفيمن يؤذى اليتيم ولا يطعم المسكين؟ أنعم ما يصنع؟ ثم قال:(فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ) أي: إذا علم أنه مسيء، فويل للمصلين، على معنى: فويل لهم، إلا أنه وضع صفتهم موضع ضميرهم؛ لأنهم كانوا مع التكذيب وما أضيف إليهم ساهين عن الصلاة مرائين، غير مزكين أموالهم.
فإن قلت: كيف جعلت المصلين قائمًا مقام ضمير الذي يكذب، وهو واحد؟
قلت: معناه الجمع، لأنّ المراد به الجنس.
فإن قلت: أي فرٍق بين قوله: (عَنْ صَلاتِهِمْ) وبين قولك: (فِي صَلاتِهِمْ)؟
قلت: معنى: (عَنْ): أنهم ساهون عنها سهو ترك لها وقلة التفات إليها؛ وذلك فعل المنافقين أو الفسقة الشطار من المسلمين. ومعنى (فِي): أنّ السهو يعتريهم فيها بوسوسة شيطان أو حديث نفس، وذلك لا يكاد يخلو منه مسلم.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقع له السهو في صلاته فضلًا عن غيره؛ ومن ثم أثبت الفقهاء باب سجود السهو في كتبهم.
والذي يدل على أن المراد بالمصلين غير المكذب، قوله:"ثم وصل به قوله: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ} "، كأنه قال:"فإذا كان الأمر كذلك، فويل للمصلين الذين يسهون"، حيث ذكر لفظ "الأمر"، ولم يذكر أن "المصلين" من وضع المظهر موضع المضمر بخلافه في الوجه الأخير، فإنه قال:"أي: إذا عُلم أنه مسيء فويل للمصلين، على معنى: فويل لهم". فعلى هذا، المراد بالمصلين: المكذب كما قال: "لأنهم كانوا مع التكذيب وما أضيف إليهم ساهين عن الصلاة"، قال الإمام:"فعلى هذا التقدير، الآية دالة على أن الكافر له مزيد عقوبة، بسبب إقدامه على محظورات الشرع، وتركه لواجبات الدين، وهو يدل على صحة قول الشافعي: إن الكفار مخاطبون بفروع الشرائع".