لا من جهتِهم ولا نَقلِهم ولا كتبهم المنزلة، واختارها أبو الحسن التميميُّ، وهو قولُ أصحابِ أبي حنيفةَ رحمهم الله.
والروايةُ الثانية: أنه لم ينْ متعبدًا بشئٍ من الشرائعِ، إلّا ما أُوحيَ إليه من شريعتِه، وهو قولُ المعتزلةِ والأشعرية. ولأصحابِ الشافعيّ وجهانِ كالروايتين. واختلفَ القائلون بأنه متعبدٌ بشرعِ مَن قبلَه: بأيِّ شريعةٍ كان متعبدًا؟ قالَ بعضُهم: بشريعةِ موسى عليه السلام إلّا ما نُسخَ في شرعنا. وظاهرُ كلامِ أحمدَ رحمه الله تعالى، أنه كانَ متعبدًا بكلِّ ما صَحَّ أنه شريعةٌ لنبيٍّ قبلَه، ما لم يثبتْ نسخْه، لقوله تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ}[الأنعام: ٩٠].
وقالَ ابنُ قتيبة: لم تَزلِ العربُ على بقايا من دينِ إسماعيلَ عليه السلام، من ذلك: حجُّ البيت، والخِتان، وإيقاعُ الطلاقِ إذا كان ثلاثًا، وأن للزوجِ الرّجعةَ في الواحدةِ والاثنين، ودِيّةُ النفسِ مئٌ من الإبل، والغُسلُ من الجنابة، وتحريمُ ذواتِ المحارمِ بالقرابةِ والصِّهر، فكانَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- على ما كانوا عليه من الإيمانِ بالله والعملِ بشرائعهم. وأما قولِه تعالى:{مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ}[الشورى: ٥٢]، يُعنى به: شرائعُ الإيمان، ولم يُردْ به الإيمانُ الذي هو الإقرارُ بالله». تَمَّ كلامُ ابن الجوزي.
وقلتُ: غرضُ المصنفِ من ارتكابِ هذا المحظور، دَفعُ التكرارِ من الكلام باختلافِ الزمانينِ المستقبلِ والماضي؛ فإنه جَعلَ القرينتينِ الأوليينِ للاستقبال والأخُريين للماضي، ولذلك توجّهَ عليه السؤال. والأوجَهُ أن يقال: إن الكلامَ ما وقع في عبادةِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنه أيُّ شئٍ عبد فيما مضى من الزمان، بل وقع فيما يُستقبل، كما يشهدُ له سَببُ النزولِ بقوله:{مَا أَعْبُدُ}، على ظاهره. وأما قولُه:{مَا عَبَدْتُمْ} على الماضي، فللمبالغةِ مِن التبرّي عنهم وعن عبادتهم، فهو على خلافِ الظاهر.