(مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) بيان للذي يوسوس، على أن الشيطان ضربان: جني وإنسي، كما قال (شياطين الإنس والجن)] الأنعام: ١١٢ [، وعن أبى ذرّ رضي الله عنه قال لرجل: هل تعوّذت بالله من شيطان الإنس؟ ويجوز أن يكون (مِنَ) متعلقا بيوسوس، ومعناه: ابتداء الغاية، أي: يوسوس في صدورهم من جهة الجنّ ومن جهة الناس، وقيل: من الجنة والناس بيان للناس، وأن اسم الناس ينطلق على الجنة، واستدلوا (بنفر) و (رجال) في سورة الجن. وما أحقه؛ لأن الجن سموا (جنا) لاجتنانهم، والناس (ناسا) لظهورهم، من الإيناس وهو الإبصار، كما سموا بشرا؛ ولو كان يقع الناس على القبيلين، وصح ذلك وثبت: لم يكن مناسبا لفصاحة القرآن وبعده من التصنع
لخلوِّ المجرورِ، أعنى:"مالكِ يومِ الدين"، من العامل، والفصلِ بين النعتِ والمنعوت، وكذا الوقفُ على "المستقيم" جائزٌ وليس بحَسَن، وإنما جُوِّزَ لأنه آخر الآية».
قولُه:(ومن جهة الناس)، مثلُ أن يوسوسَ في قلب المسلمِ من جهة المنجّمين والكُهانِ أنهم يعلمون الغيب، ومن جهةِ الجنِّ أنهم يَضرّون وينفعون. في "المطلع": «وعن بعضهم: على البيانِ يكونُ "من الجِنّةِ والناس"، حالًا من ضمير "الذي يوسوس"».
قولُه:(وما أحقّه)، يعني: ما أثبته من قولهم: حَقَقْتُ الشئَ أَحُقُّه، أي: أَثبتُه. قال الإمام:«قيل: إن قولَه: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} قسمان مندرجان تحت قولِه: {فِي صُدُورِ النَّاسِ}، كأن القدرَ المشتركَ بين الجنِّ والإنسِ سُمّي إنسانًا، والإنسانُ أيضًا سُمّي إنسانًا، فيكون لفظُ الإنسانِ واقعًا على الجنسِ والنوعِ بالاشتراك. والدليلُ عليه ما رُويَ أنه جاءَ نفرٌ من الجن، فقيل لهم: مَنْ أنتم؟ فقالوا: ناسٌ من الجن. وأيضًا قد سَمّاهم اللهُ رجالًا في قوله:{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا}[الجن: ٦]، فجازَ أن يُسميَهم هنا ناسًا. وهذا القولُث المتعسِّفُ لا يريدُ أنَه ضعيفٌ، لأن جَعْلَ الإنسانِ اسمًا للجنسِ الذي يندرجُ فيه الجنُّ والإنس، بعيدٌ من اللغة».