فقيلَ لأبي هريرة: إنّا نكون وراءَ الإمام. فقال: اقرأ بها في نفسِك، فإني سمعت رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:«قالَ اللهُ عزّ وجلّ: قَسمت الصلاةَ بيني وبينَ عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل؛ فإذا قالَ العبدُ:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، قال اللهُ: حَمِدني عبدي. وإذا قال:{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، قال اللهُ تعالى: أثنى عليَّ عبدي. وإذا قال:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، قال مجّدني عبدي. وإذا قالَ العبدُ:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل. فإذا قالَ العبدُ {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}، قال: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل». أخرجه مالكٌ ومسلم، والترمذيُّ وأبو داود، والنسائيُّ وابنُ ماجه، رحمهم الله تعالى.
وكنا قد أسلفنا في شرح الخُطبةِ أنّ المعوّذتينِ على قضيةِ قولِه تعالى:{فَإِذَا قَرَاتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}[النحل: ٩٨]، مشيرتانِ على الافتتاح، وعلى مُوجَبِ قولِه -صلى الله عليه وسلم-: "الحالُّ المّرتَحِل"، جوابًا عن سؤالِ مَن قال: أيُّ الأعمالِ أحبُّ إلى الله؟ مُناديتانِ بالارتحال، فبالحَرِيّ أنْ نَرجعَ إلى ما كنّا قد تكلَّمنا فيه مفتتحين به، أعني تفسيرَ سورة "الفاتحة"، وأفضل التأويل: تأويلُ مَن نَزلَ عليه التنزيل، وهذا الحديثُ مما احتوى على حقائقِ هذه السّورة، وأسرارِها، ودقائقِها، كما سنكشفُ عنها؛ هيهات، إن البحرَ لا يُستنزَف! {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[لقمان: ٢٧].