للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ إطْلَاقُ لَفْظِ كَتَبَ بِمَعْنَى أَمَرَ.

مِنْهَا: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إلَى قَيْصَرَ» .

وَحَدِيثُهُ: «كَتَبَ إلَى النَّجَاشِيِّ» .

وَحَدِيثُهُ: «كَتَبَ إلَى كَسْرَى» .

وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ كَتَبَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ.

وَغَيْرُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ كُلِّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَمَرَ الْكَاتِبَ، وَيُشْعِرُ بِذَلِكَ هُنَا قَوْلُهُ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ لَمَّا «امْتَنَعَ الْكَاتِبُ أَنْ يَمْحُوَ لَفْظَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَرِنِي فَمَحَاهُ» .

فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ يَعْرِفُ الْكِتَابَةَ لَمَا احْتَاجَ إلَى قَوْلِهِ: «أَرِنِي» فَكَأَنَّهُ أَرَاهُ الْمَوْضِعَ الَّذِي أَبَى أَنْ يَمْحُوَهُ، فَمَحَاهُ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِهِ، ثُمَّ نَاوَلَهُ لِعَلِيٍّ فَكَتَبَ بِأَمْرِهِ: ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ، بَدَلَ: رَسُولُ اللَّهِ، وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَلَى تَقْدِيرِ حَمْلِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ، أَنَّهُ كَتَبَ ذَلِكَ الْيَوْمَ غَيْرَ عَالِمٍ بِالْكِتَابَةِ، وَلَا بِتَمْيِيزِ حُرُوفِهَا، لَكِنَّهُ أَخَذَ الْقَلَمَ بِيَدِهِ فَخَطَّ بِهِ، فَإِذَا هُوَ كِتَابَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى حَسْبِ الْمُرَادِ، وَذَهَبَ إلَى هَذَا الْقَاضِي أَبُو جَعْفَرٍ السَّمْنَانِيُّ، وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ظَاهِرِ الْحَدِيثِ إلَّا أَنَّهُ كَتَبَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَهَذَا لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكْتُبَهُ الْأُمِّيُّ كَمَا يَكْتُبُ الْمُلُوكُ عَلَامَتَهُمْ وَهُمْ أُمِّيُّونَ.

١٥٤٧ - (٩) -[فَصْلٌ] وَأَمَّا الشِّعْرُ فَكَانَ نَظْمُهُ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ بِاتِّفَاقٍ، لَكِنْ فَرَّقَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بَيْنَ الرَّجَزِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْبُحُورِ، فَقَالَ: يَجُوزُ لَهُ الرَّجَزُ دُونَ غَيْرِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى أَنَّ الرَّجَزَ ضَرْبٌ مِنْ الشِّعْرِ، وَإِنَّمَا ادَّعَى أَنَّهُ لَيْسَ بِشِعْرٍ الْأَخْفَشُ، وَأَنْكَرَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ وَغَيْرُهُ، وَإِنَّمَا جَرَى الْبَيْهَقِيُّ لِذَلِكَ ثُبُوتُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ حُنَيْنٍ: «أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ» .

فَإِنَّهُ مِنْ بُحُورِ الرَّجَزِ، وَلَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَمَثَّلَ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي لِأَنَّ غَيْرَهُ: لَا يَقُولُ: أَنَا النَّبِيُّ، وَيُزِيلُ عَنْهُ الْإِشْكَالَ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الشِّعْرَ فَخَرَجَ مَوْزُونًا، وَقَدْ ادَّعَى ابْنُ الْقَطَّانِ وَأَقَرَّهُ النَّوَوِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ شَرْطَ تَسْمِيَةِ الْكَلَامِ شِعْرًا أَنْ يَقْصِدَ لَهُ قَائِلُهُ، وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْقَائِلُ الْأَوَّلُ قَالَ: أَنْتَ النَّبِيُّ لَا كَذِبَ، فَلَمَّا تَمَثَّلَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيَّرَهُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى هَذَا كُلِّهِ فِي إنْشَائِهِ، وَيَتَأَيَّدُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ بِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ الزُّهْرِيِّ؛ قَالَ: لَمْ يَقُلْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا مِنْ الشِّعْرِ قِيلَ قَبْلَهُ، أَوْ يُرْوَى عَنْ غَيْرِهِ، إلَّا هَذَا، وَهَذَا يُعَارِضُ مَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ الزُّهْرِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>