قَوِيٌّ، لِأَنَّ رُوَاتَهُ ثِقَاتٌ، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ، مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حُذَيْفَةَ، وَأَعَلَّهُ بِأَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ إِسْحَاقَ الضُّبَعِيّ، قَالَ: هُوَ سَاقِطٌ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: لَا يَثْبُتُ فِيهِ حَدِيثٌ، انْتَهَى. وَهَذَا التَّعْلِيلُ لَيْسَ بِقَادِحٍ لِمَا قَدَّمْنَاهُ. وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ: رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ فِي جَامِعِهِ. وَعَنْ الْمُغِيرَةِ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ خَرَّجَ لِهَذَا الْحَدِيثِ مِائَةً وَعِشْرِينَ طَرِيقًا، قُلْت: وَلَيْسَ ذَلِكَ بِبَعِيدٍ.
وَقَدْ أَجَابَ أَحْمَدُ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَكَذَا جَزَمَ بِذَلِكَ أَبُو دَاوُد، وَيَدُلُّ لَهُ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْحَاكِمِ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْحَافِظِ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْهَمْدَانِيِّ الْحَافِظِ، ثَنَا أَبُو شَيْبَةَ، ثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ عَلَيْكُمْ فِي غُسْلِ مَيِّتِكُمْ غُسْلٌ إذَا غَسَّلْتُمُوهُ، إنَّ مَيِّتَكُمْ يَمُوتُ طَاهِرًا وَلَيْسَ بِنَجِسٍ، فَحَسْبُكُمْ أَنْ تَغْسِلُوا أَيْدِيَكُمْ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا ضَعِيفٌ، وَالْحَمْلُ فِيهِ عَلَى أَبِي شَيْبَةَ، قُلْتُ: أَبُو شَيْبَةَ، هُوَ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، احْتَجَّ بِهِ النَّسَائِيُّ وَوَثَّقَهُ النَّاسُ، وَمِنْ فَوْقِهِ احْتَجَّ بِهِمْ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو الْعَبَّاسِ الْهَمْدَانِيُّ، هُوَ ابْنُ عُقْدَةَ، حَافِظٌ كَبِيرٌ، إنَّمَا تَكَلَّمُوا فِيهِ بِسَبَبِ الْمَذْهَبِ، وَلِأُمُورٍ أُخْرَى، وَلَمْ يُضَعِّفْهُ بِسَبَبِ الْمُتُونِ أَصْلًا، فَالْإِسْنَادُ حَسَنٌ، فَيَجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَمْرِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَنَّ الْأَمْرَ عَلَى النَّدْبِ، أَوْ الْمُرَادَ بِالْغُسْلِ غُسْلِ الْأَيْدِي، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ.
قُلْتُ: يُؤَيِّدُ أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ لِلنَّدْبِ، مَا رَوَى الْخَطِيبُ فِي تَرْجَمَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْرَمِيِّ، مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: قَالَ لِي أَبِي: كَتَبْتُ حَدِيثَ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ: كُنَّا نُغَسِّلُ الْمَيِّتَ، فَمِنَّا مَنْ يَغْتَسِلُ، وَمِنَّا مَنْ لَا يَغْتَسِلُ "؟ قَالَ: قُلْت: لَا، قَالَ: فِي ذَلِكَ الْجَانِبِ شَابٌّ يُقَالُ لَهُ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ أَبِي هِشَامٍ الْمَخْزُومِيِّ، عَنْ وُهَيْبٍ فَاكْتُبْهُ عَنْهُ. قُلْت: وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ أَحْسَنُ مَا جَمَعَ بِهِ بَيْنَ مُخْتَلِفِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute