نَصَّ الْوَاقِفُ مِنْ سَائِرِ أَرْبَابِ الشَّعَائِرِ كَالْمُتَوَلِّي، ثَمَّ مِنْ أَرْبَابِ الْوَظَائِفِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَفِي الْأَشْبَاهِ أَيْضًا اهـ وَفِي فَتَاوَى الْكَازَرُونِيُّ عَنْ الْحَانُوتِيِّ سُئِلَ هَلْ يُقَدَّمُ الْإِمَامُ وَالْمُؤَذِّنُ فِي الصَّرْفِ عَلَى مُؤَدِّبِ الْأَيْتَامِ وَعَلَى الْأَيْتَامِ مَعَ أَنَّ الْوَاقِفَ عَيَّنَ لِكُلٍّ قَدْرًا أَجَابَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَمْ نَقِفْ عَلَى مَنْ نَصَّ عَلَيْهَا إلَّا بَعْضٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ، وَنَصُّهُ وَاَلَّذِي يُبْتَدَأُ بِهِ مِنْ ارْتِفَاعِ الْوَقْفِ عِمَارَتُهُ ثُمَّ مَا هُوَ أَقْرَبُ إلَى الْعِمَارَةِ وَأَعَمُّ لِلْمَصْلَحَةِ كَالْإِمَامِ لِلْمَسْجِدِ وَالْمُدَرِّسِ لِلْمُدَرِّسَةِ يُصْرَفُ إلَيْهِمْ إلَى قَدْرِ كِفَايَتِهِمْ ثُمَّ السِّرَاجُ وَالْبِسَاطُ كَذَلِكَ إلَى آخِرِ الْمَصَالِحِ لَكِنْ قَيَّدَ هَذَا الْكَلَامَ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا فَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ مُعَيَّنًا عَلَى شَيْءٍ يَصْرِفُهُ إلَيْهِ بَعْدَ عِمَارَةِ الْبِنَاءِ اهـ.
فَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ التَّقْدِيمَ الْمَذْكُورَ لِأَرْبَابِ الشَّعَائِرِ مَحَلُّهُ إذَا كَانَ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَمَا لَوْ وَقَفَهُ عَلَى الْمَسْجِدِ وَشَعَائِرِهِ وَمُدَرِّسٍ وَطَلَبَةٍ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ أَمَّا إذَا عَيَّنَ وَجَعَلَ لِكُلِّ شَخْصٍ قَدْرًا مَعْلُومًا فَلَا يُقَدَّمُ أَحَدٌ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ يُصْرَفُ إلَيْهِمْ إلَى قَدْرِ كِفَايَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ هُنَاكَ تَعْيِينٌ إنَّمَا يُصْرَفُ لَهُمْ مَا هُوَ الْمُعَيَّنُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ، وَقَوْلُهُ بَعْضٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ مُرَادُهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَلَمْ أَرَ أَحَدًا حَرَّزَ هَذَا التَّحْرِيرَ الْحَسَنَ فَعَلَيْك بِهِ فَإِنَّهُ نَفِيسٌ جِدًّا
(أَقُولُ) حَاصِلُ هَذَا أَنَّ تَقْدِيمَ بَعْضِ أَرْبَابِ الشَّعَائِرِ عَلَى بَعْضٍ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْوَاقِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ قَدْرًا فَحِينَئِذٍ يُقَدَّمُ مَنْ هُوَ أَعَمُّ مَصْلَحَةً أَمَّا إذَا عَيَّنَ فَلَا تَقْدِيمَ، لَكِنْ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ بَعْضٍ عَلَى بَعْضٍ لَا يَتَأَتَّى فِيمَا إذَا كَانَ رَيْعُ الْوَقْفِ يَكْفِي الْجَمِيعَ بَلْ فِيمَا إذَا ضَاقَ عَنْهُمْ وَحِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ بَعْضٍ عَلَى بَعْضٍ سَوَاءٌ كَانَ الْوَقْفُ مُعَيَّنًا أَوْ لَا فَيُقَدَّمُ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إلَى الْعِمَارَةِ أَيْ مَنْ يَلْزَمُ مِنْ قَطْعِهِ تَعْطِيلُ الْمَسْجِدِ كَالْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ وَنَحْوِهِمَا وَكَذَا مُدَرِّسُ الْمَدْرَسَةِ الَّتِي تَتَعَطَّلُ بِانْقِطَاعِهِ بِخِلَافِ مُدَرِّسِ الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ بَعْدَ ذَلِكَ سُؤَالًا مَعَ جَوَابِهِ لِلشَّيْخِ قَاسِمٍ الدَّنَوْشَرِيِّ وَفِيهِ بَيَانُ أَنَّ قَوْلَ الْحَاوِي هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا إلَخْ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ يُصْرَفُ إلَيْهِمْ قَدْرَ كِفَايَتِهِمْ لَا إلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ.
وَصُورَةُ السُّؤَالِ مَعَ جَوَابِهِ هَكَذَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَفَى وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى وَبَعْدُ فَقَدْ رُفِعَ لِعُلَمَاء الْإِسْلَامِ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ سُؤَالٌ عَلَى لِسَانِ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَالْمَقَامَيْنِ الْمُنِيفَيْنِ وَهُوَ مَا يُفِيدُ مَوَالِينَا مَشَايِخُ الْإِسْلَامِ أَدَامَ اللَّهُ تَعَالَى الِانْقِيَادَ إلَيْهِمْ وَالِاسْتِسْلَامَ، فِي وَاقِفٍ شَرَطَ فِي كِتَابِ وَقْفِهِ خَطِيبًا وَإِمَامًا وَمُؤَذِّنَيْنِ وَبَوَّابَيْنِ وَخَدَمَةً وَمُدَرِّسِينَ مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَطَلَبَةً وَقُرَّاءً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ ثُمَّ شَرَطَ فِي كِتَابِ وَقْفِهِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ إذَا ضَاقَ رَيْعُ الْوَقْفِ عَنْ الْمَصَارِفِ قُدِّمَ مَا هُوَ مُرَتَّبٌ مِنْ جِهَةِ الْوَقْفِ لِلْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ، وَالْحَالُ أَنَّ الْوَاقِفَ عَيَّنَ لِكُلٍّ مِنْ الْمَذْكُورَيْنِ قَدْرًا مُعَيَّنًا وَشَرَطَ لِلْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ قَدْرًا مُعَيَّنًا فَهَلْ إذَا ضَاقَ رَيْعُ الْوَقْفِ عَلَى الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ تُقَدَّمُ جِهَةُ الْحَرَمَيْنِ بِمَا شُرِطَ لَهُمْ عَمَلًا بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ أَوْ يُلْغَى هَذَا الشَّرْطُ وَيُسَوَّى فِي هَذَا الْوَقْفِ بَيْنَ جَمِيعِ الْمُسْتَحَقِّينَ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهِمْ أَمْ تُقَدَّمُ أَرْبَابُ الشَّعَائِرِ بِمَا شُرِطَ لَهُمْ وَإِنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ تَقْدِيمَ الْحَرَمَيْنِ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ أَثَابَكُمْ اللَّهُ تَعَالَى الْجَنَّةَ آمِينَ؟
(الْجَوَابُ) : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا قَالَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ مَا لَفْظُهُ الَّذِي يُبْدَأُ بِهِ مِنْ ارْتِفَاعِ الْوَقْفِ عِمَارَتُهُ شُرِطَ أَوْ لَا، ثُمَّ مَا هُوَ أَقْرَبُ لِلْعِمَارَةِ وَأَعَمُّ لِلْمَصْلَحَةِ كَالْإِمَامِ لِلْمَسْجِدِ وَالْمُدَرِّسِ لِلْمَدْرَسَةِ يُصْرَفُ إلَيْهِمْ قَدْرُ كِفَايَتِهِمْ ثُمَّ السِّرَاجُ وَالْبِسَاطُ كَذَلِكَ. اهـ.، قَالَ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ ظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ الْمُقَدَّمَ فِي الصَّرْفِ الْإِمَامُ وَالْمُدَرِّسُ وَالْوَقَّادُ وَالْفَرَّاشُ وَمَنْ كَانَ بِمَعْنَاهُمْ لِتَعْبِيرِهِ بِالْكَافِ، وَظَاهِرُهَا يُفِيدُ أَيْضًا تَقْدِيمَ مَنْ ذَكَرْنَاهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute