وَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ الِاسْتِوَاءَ عِنْدَ الضِّيقِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُمْ كَالْعِمَارَةِ، وَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ اسْتِوَاءَ الْعِمَارَةِ بِالْمُسْتَحَقِّينَ لَمْ يُعْتَبَرْ شَرْطُهُ وَإِنَّمَا تُقَدَّمُ أَيْ الْعِمَارَةُ عَلَيْهِمْ فَكَذَا هُمْ اهـ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَعَلَى مُقْتَضَى مَا أَفَادَهُ مِنْ أَنَّ عِبَارَةَ الْحَاوِي تُفِيدُ أَنَّ أَرْبَابَ الشَّعَائِرِ يُقَدَّمُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ وَإِنَّ شَرَطَ الْوَاقِفُ الِاسْتِوَاءَ عِنْدَ الضِّيقِ يَجِبُ أَنْ يُقَالَ تَقَدُّمُ أَرْبَابِ الشَّعَائِرِ فِي هَذَا الْوَقْفِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ فِي حَالَةِ شَرْطِ اسْتِوَاءِ أَرْبَابِ الشَّعَائِرِ بِغَيْرِهِمْ لَا يُحْرَمُ أَرْبَابُ الشَّعَائِرِ بِالْكُلِّيَّةِ وَمَعَ ذَلِكَ أُلْغِيَ شَرْطُ الِاسْتِوَاءِ فَإِلْغَاؤُهُ فِي حَالَةٍ قَدْ يُحْرَمُونَ فِيهَا بِالْكُلِّيَّةِ وَهِيَ حَالَةُ شَرْطِ تَقْدِيمِ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ عَلَيْهِمْ بِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَفْضُلَ شَيْءٌ لِأَرْبَابِ الشَّعَائِرِ عَلَيْهِمْ بِالْأَوْلَى، ثُمَّ تَوَقَّفَ فِيمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَهُ.
وَحَاصِلُ تَوَقُّفِهِ أَنَّهُ قَالَ لَا نُسَلِّمُ أَوَّلًا أَنْ يُقَاسَ حُكْمُ أَرْبَابِ الشَّعَائِرِ عَلَى حُكْمِ الْعِمَارَةِ؛ لِأَنَّ انْتِظَامَ مَصَالِحِ الْوَقْفِ بِإِقَامَةِ شَعَائِرِهِ لَيْسَ كَانْتِظَامِهِ بِبَقَاءِ عَيْنِهِ لِيُقَاسَ عَلَيْهِ، أَلَا تَرَى إلَى مَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ فِي تَوْجِيهِ تَقْدِيمِ الْعِمَارَةِ عَلَى غَيْرِهَا وَإِنْ شُرِطَ تَأْخِيرُهَا مِنْ قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا شَرْطَهُ أَدَّى ذَلِكَ إلَى اضْمِحْلَالِ الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ فَيَعُودُ الْأَمْرُ عَلَى مَا قُصِدَ مِنْ الْوَقْفِ بِالْإِبْطَالِ فَقِيَاسُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ تَقْدِيمِ أَرْبَابِ الشَّعَائِرِ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ بَقِيَّةِ الْمُسْتَحِقِّينَ إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ الِاسْتِوَاءَ عِنْدَ الضِّيقِ عَلَى حُكْمِ الْعِمَارَةِ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ، وَبِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ فَالشَّيْخُ قَدْ اخْتَصَرَ عِبَارَةَ الْحَاوِي وَجَعَلَهَا دَلِيلًا عَلَى مَا ادَّعَاهُ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِهِ يُنَافِي مَا ادَّعَاهُ الشَّيْخُ، وَتَتِمَّةُ عِبَارَةِ الْحَاوِي هُوَ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عَنْهُ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا فَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ مُعَيَّنًا عَلَى شَيْءٍ يُصْرَفُ إلَيْهِ بَعْدَ عِمَارَةِ الْبِنَاءِ اهـ.
كَلَامُ الْحَاوِي وَالظَّاهِرُ مِنْ هَذِهِ التَّتِمَّةِ أَنَّهَا قَيْدٌ رَاجِعٌ لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَيُفِيدُ كَلَامُ الْحَاوِي أَنَّ تَقْدِيمَ أَرْبَابِ الشَّعَائِرِ عَلَى غَيْرِهِمْ إنَّمَا هُوَ فِي حَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَهِيَ مَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْوَاقِفُ قَدْرَ مَا يُعْطَى لِكُلِّ مُسْتَحِقٍّ أَمَّا إذَا عَيَّنَ لِكُلٍّ قَدْرًا مُعَيَّنًا فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُ الْحَاوِي دَلِيلًا عَلَى هَذَا الْمُدَّعَى هَذَا حَاصِلُ مَا أَفَادَهُ الْمُتَوَقِّفُ فِي كَلَامِهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ التَّوَقُّفِ الْأَوَّلِ بِأَنْ يُقَالَ إنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ فِي تَقْدِيمِ أَرْبَابِ الشَّعَائِرِ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ بَقِيَّةِ الْمُسْتَحِقِّينَ لَيْسَ هُوَ كَوْنُهُمْ كَالْعِمَارَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثِيَّةِ اشْتِرَاكِهِمَا فِي عُمُومِ النَّفْعِ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَقِيَّةِ الْمُسْتَحِقِّينَ وَإِنْ تَفَاوَتَ النَّفْعُ بَيْنَ الْعِمَارَةِ وَأَرْبَابِ الشَّعَائِرِ فَلَمَّا اشْتَرَكَا فِي عُمُومِ النَّفْعِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْغَيْرِ اشْتَرَكَا فِي هَذَا الْحُكْمِ وَهُوَ تَقْدِيمُهُمَا عَلَى الْغَيْرِ وَإِنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ خِلَافَ ذَلِكَ مِنْ اسْتِوَاءٍ أَوْ تَقْدِيمٍ، وَإِذَا تَأَمَّلْت كَلَامَ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَجَدْتَهُ شَاهِدًا عَلَى هَذَا الْمُدَّعِي، وَيُجَابُ عَنْ التَّوَقُّفِ الثَّانِي بِأَنَّ اسْمَ الْإِشَارَةِ الْوَاقِعَ فِي تَتِمَّةِ كَلَامِ الْحَاوِي وَهُوَ قَوْلُهُ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا إلَخْ لَيْسَ رَاجِعًا لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ لِيَكُونَ قَيْدًا لَهَا وَإِنَّمَا هُوَ رَاجِعٌ لِأَقْرَبِ مَذْكُورٍ فِي كَلَامِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ يُصْرَفُ إلَيْهِمْ قَدْرُ كِفَايَتِهِمْ وَكَأَنَّهُ يَقُولُ إنَّ مَحَلَّ تَفْوِيضِ أَمْرِ الصَّرْفِ لِلْمُتَوَلِّي إذَا لَمْ يَشْرِطْ الْوَاقِفُ قَدْرًا مُعَيَّنًا لِكُلِّ مُسْتَحِقٍّ.
أَمَّا إذَا عَيَّنَ فَإِنَّهُ يَتْبَعُ شَرْطَهُ وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْ هَذَا الْإِمَامُ الزَّاهِدِيُّ فِي كِتَابِهِ قُنْيَةِ الْفَتَاوَى حَيْثُ قَالَ فِي بَابِ مَا يَحِلُّ لِلْمُدَرِّسِ وَالْمُتَعَلِّمِ وَالْإِمَامِ مَا نَصُّهُ: الْأَوْقَافُ فِي بُخَارَى عَلَى الْعُلَمَاءِ لَا يُعْرَفُ مِنْ الْوَاقِفِ غَيْرُ هَذَا فَلِلْقَيِّمِ أَنْ يُفَضِّلَ الْبَعْضَ وَيَحْرِمَ الْبَعْضَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَقْفُ عَلَى قَوْمٍ يُحْصَوْنَ وَكَذَا الْوَقْفُ عَلَى الَّذِينَ يَخْتَلِفُونَ إلَى هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ أَوْ عَلَى مُتَعَلِّمِيهَا أَوْ عَلَى عُلَمَائِهَا يَجُوزُ لِلْقَيِّمِ أَنْ يُفَضِّلَ الْبَعْضَ وَيَحْرِمَ الْبَعْضَ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْوَاقِفُ قَدْرَ مَا يُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ اهـ فَهَذِهِ الْعِبَارَةُ وَهِيَ قَوْلُ صَاحِبِ الْقُنْيَةِ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ إلَخْ أَزَالَتْ اللَّبْسَ وَأَوْضَحَتْ كُلَّ تَخْمِينٍ وَحَدْسٍ، هَذَا وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ مَا قَدَّمْنَاهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute