وَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَضَمَّنَتْ نَقْضَ قَضَاءٍ اسْتَوْفَى شَرَائِطَهُ فَتُرَدُّ وَلَا تُسْمَعُ وَسَوَاءٌ قُلْنَا بِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْوَقْفِ قَضَاءٌ جُزْئِيٌّ أَوْ كُلِّيٌّ أَيْ عَلَى النَّاسِ كَافَّةً أَوْ يَخْتَصُّ وَالصَّحِيحُ الْمُفْتَى بِهِ أَنَّهُ جُزْئِيٌّ وَلَكِنْ قَدْ صَارَ ذُو الْيَدِ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ وَبَيِّنَتُهُ لَمْ تُفِدْ غَيْرَ مَا أَفَادَتْهُ الْيَدُ فَكَيْفَ يُنْقَضُ بِهَا الْقَضَاءُ بِالْبَيِّنَةِ الْمُفِيدَةِ الْمُثْبِتَةِ خِلَافَ الظَّاهِرِ وَلِمِثْلِهِ جُعِلَتْ الْبَيِّنَاتُ وَالْقَضَاءُ بِالْوَقْفِ كَالْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ وَفِي الْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ إذَا صَارَ ذُو الْيَدِ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ لَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ كَمَا قُلْنَا وَهَذَا مِمَّا لَا تَوَقُّفَ فِيهِ لِمَنْ غَمَسَ رَأْسَ خِنْصَرِهِ فِي الْفِقْهِ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(سُئِلَ) هَلْ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ لَوْ أَقَامَهَا الْمُدَّعِي بَعْدَ يَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ لَا؟
(الْجَوَابُ) : تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ وَتُقْبَلُ عَلَى مَا هُوَ الصَّوَابُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُلْتَقَى وَالتَّنْوِيرِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى وَقَالَ فِي الدُّرَرِ ثُمَّ إذَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَالْمُدَّعِي عَلَى دَعْوَاهُ وَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِيَمِينِهِ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ مَا لَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ عَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُ فَإِنْ وَجَدَهَا أَقَامَهَا وَقَضَى لَهُ بِهَا وَبَعْضُ الْقُضَاةِ مِنْ السَّلَفِ كَانُوا لَا يَسْمَعُونَهَا بَعْدَ الْيَمِينِ وَيَقُولُونَ يَتَرَجَّحُ جَانِبُ صِدْقِهِ بِالْيَمِينِ فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي وَهَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَبِلَ الْبَيِّنَةَ مِنْ الْمُدَّعِي بَعْدَ يَمِينِ الْمُنْكِرِ وَكَانَ شُرَيْحٌ يَقُولُ الْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ أَحَقُّ أَنْ تُرَدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ اهـ.
(سُئِلَ) فِي يَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَلْ هِيَ حَقُّ الْمُدَّعِي فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ أَمْ لِلْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَهُ وَلَوْ بِلَا طَلَبِ الْمُدَّعِي؟
(الْجَوَابُ) : الْيَمِينُ لِلْقَاضِي مَعَ طَلَبِ الْمُدَّعِي لِمَا فِي التَّنْوِيرِ اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَحْلِفَ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي وَيَكُونَ بَرِيئًا فَهُوَ بَاطِلٌ اهـ لَكِنْ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي فَإِذَا طَالَبَهُ بِهِ يُجِيبُهُ أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ الْقَاضِي بِالْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٌ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ هَذَا غَلَبَنِي عَلَى أَرْضِي كَانَتْ لِأَبِي وَقَالَ الْكِنْدِيُّ هِيَ أَرْضِي فِي يَدِي أَزْرَعُهَا لَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْحَضْرَمِيِّ أَلَكَ بَيِّنَةٌ قَالَ لَا قَالَ فَلَكَ يَمِينُهُ قَالَ يَا رَسُولُ اللَّهِ الرَّجُلُ فَاجِرٌ لَا يُبَالِي عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ يَتَوَرَّعُ عَنْ شَيْءٍ فَقَالَ لَيْسَ لَك مِنْهُ إلَّا ذَلِكَ فَانْطَلَقَ لِيَحْلِفَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّا الَّذِي حَلَفَ عَلَى مَالٍ لِيَأْكُلَهُ ظُلْمًا لَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَهُوَ عَنْهُ غَيْرُ رَاضٍ» اهـ فَجَعَلَ الْيَمِينَ حَقَّهُ بِصَرِيحِ إضَافَةِ الْيَمِينِ إلَيْهِ فَاللَّامُ الْمِلْكِ وَالِاخْتِصَاصِ فِي قَوْلِهِ فَلَكَ يَمِينُهُ وَإِنَّمَا جَعَلَ الْيَمِينَ حَقُّ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ أَتْوَى حَقَّهُ بِإِنْكَارِهِ فَشُرِعَ الِاسْتِحْلَافُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمَ يَكُونُ إتواء مُقَابَلَةَ إتْوَاءٍ وَهُوَ مَشْرُوعٌ كَالْقِصَاصِ وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ إتْوَاءِ الْمَالِ فَإِنَّ الْيَمِينَ الْفَاجِرَةَ تَدَعُ الدِّيَارَ بَلَاقِعَ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا يَنَالُ الثَّوَابَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ صَادِقًا اهـ لَكِنْ نُقِلَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَسْتَحْلِفُ بِلَا طَلَبٍ فِي أَرْبَعِ مَوَاضِعَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا رَضِيت بِالْعَيْبِ وَالشَّفِيعُ بِاَللَّهِ مَا أَبْطَلْت شُفْعَتَك وَالْمَرْأَةُ إذَا طَلَبَتْ فَرْضَ النَّفَقَةِ عَلَى زَوْجِهَا الْغَائِبِ تُحَلَّفُ بِاَللَّهِ مَا خَلَّفَ لَك زَوْجُك شَيْئًا وَلَا أَعْطَاك النَّفَقَةَ.
وَالرَّابِعُ يَحْلِفُ الْمُسْتَحِقُّ بِاَللَّهِ مَا بِعْت وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ يُحَلِّفْهُ الْقَاضِي بِلَا طَلَبِ الْوَصِيِّ وَالْوَارِثِ بِاَللَّهِ مَا اسْتَوْفَيْته مِنْ الْمَدْيُونِ وَلَا مِنْ أَحَدٍ أَدَّاهُ إلَيْك وَلَا قَبَضَهُ لَك قَابِضٌ بِأَمْرِك وَلَا أَبْرَأْته مِنْهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ وَلَا أَحَلْت بِهِ أَحَدًا وَلَا عِنْدَك وَلَا بِشَيْءٍ مِنْهُ رَهْنٌ
(سُئِلَ) هَلْ يَجُوزُ التَّحْلِيفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ أَمْ لَا؟
(الْجَوَابُ) : قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا يَسْتَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لِمَا رَوَيْنَا. اهـ. وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ عُمَرَ وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ قَالَ إنَّ اللَّهَ نَهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا - أَيْ مُرِيدًا لِلْحَلِفِ - فَلَا يَحْلِفْ إلَّا بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَفِي لَفْظٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute