«مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَحْلِفُوا إلَّا بِاَللَّهِ وَلَا تَحْلِفُوا إلَّا وَأَنْتُمْ صَادِقُونَ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَإِنَّمَا جُعِلَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ فِي الْحَلِفِ تَعْظِيمًا لِلْمَحْلُوفِ بِهِ وَحَقِيقَةُ الْعَظَمَةِ لَا تَكُونُ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يُضَاهِي بِهِ غَيْرَهُ.
وَظَاهِرُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لَوْ حَلَّفَهُ الْقَاضِي بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ يَمِينًا قَالَ فِي الْبَحْرِ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا اهـ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَقِيلَ فِي زَمَانِنَا إذَا أَلَحَّ الْخَصْمُ سَاغَ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْلِفَ بِذَلِكَ أَيْ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى اهـ وَيُرَدُّ عَلَى هَذَا الْقِيلِ أَنَّ هَذَا تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَلَا يَصِحُّ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَإِنْ أَرَادَ الْمُدَّعِي تَحْلِيفَهُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُجِيبُ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ حَرَامٌ وَبَعْضُهُمْ جَوَّزَ ذَلِكَ فِي زَمَانِنَا وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ اهـ وَفِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّةِ وَالْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ التَّحْلِيفِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَفِي الذَّخِيرَةِ التَّحْلِيفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْأَيْمَانِ الْغَلِيظَةِ لَمْ يُجَوِّزْهُ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا وَأَجَازَهُ الْبَعْضُ فَيُفْتَى بِهِ إنْ مَسَّتْ الضَّرُورَةُ وَإِذَا بَالَغَ الْمُسْتَفْتَى فِي الْفَتْوَى يُفْتِي بِأَنَّ الرَّأْيَ إلَى الْقَاضِي اهـ وَفِي الْخُلَاصَةِ فَإِنْ مَسَّتْ الضَّرُورَةُ يُفْتِي بِأَنَّ الرَّأْيَ إلَى الْقَاضِي فَلَوْ حَلَّفَهُ الْقَاضِي بِالطَّلَاقِ فَنَكَلَ وَقَضَى بِالْمَالِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ اهـ.
فَتَلَخَّصَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَهُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ عِنْدَ إلْحَاحِ الْخَصْمِ وَأَنَّهُ يُفْتَى بِجَوَازِ ذَلِكَ إنْ مَسَّتْ الضَّرُورَةُ وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِالنُّكُولِ عَنْهُ وَلَوْ قَضَى بِهِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَعَنْ هَذَا قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا إنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ بِهِ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ؛ لِأَنَّهُ نَكَلَ عَمَّا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا وَلَوْ قَضَى بِهِ لَمْ يَنْفُذْ قَضَاؤُهُ اهـ لَكِنْ فِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ التَّحْلِيفِ الْقَضَاءُ بِالنُّكُولِ فَإِذَا لَمْ يَجُزْ الْقَضَاءُ بِالنُّكُولِ عَمَّا ذَكَرَ فَكَيْفَ يَجُوزُ التَّحْلِيفُ بِهِ وَلَعَلَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ مِنْ أَنَّهُ لَا تَحْلِيفَ بِهِمَا فَلَا اعْتِبَارَ بِنُكُولِهِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِالتَّحْلِيفِ بِهِمَا فَيُعْتَبَرُ نُكُولُهُ وَيُقْضَى بِهِ؛ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ إنَّمَا يُقْصَدُ لِنَتِيجَتِهِ وَإِذَا لَمْ يُقْضَ بِالنُّكُولِ فَلَا يَنْبَغِي الِاشْتِغَالُ بِهِ وَكَلَامُ الْفُضَلَاءِ فَضْلًا عَنْ الْعُلَمَاءِ الْعِظَامِ يُصَانُ عَنْ اللَّغْوِ كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ فِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ اهـ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا ثَبَتَ قَلْعُ الْمُتَوَلِّي لِغِرَاسِ الْوَقْفِ وَإِزَالَتُهُ وَإِعْدَامُهُ بَعْدَ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ وَالشَّهَادَةِ الْمُسْتَقِيمَةِ بِالْحَادِثَةِ الشَّرْعِيَّةِ بِوَجْهِهِ الشَّرْعِيِّ فِي وَجْهِ الْمُتَوَلِّي وَمَضَتْ مُدَّةٌ ثُمَّ بَعْدَهَا ادَّعَى وَكِيلٌ عَنْ الْمُتَوَلِّي الْمَزْبُورِ عَلَى زَيْدٍ أَنَّهُ قَلَعَ الْغِرَاسَ الْمَذْكُورَ بِعَيْنِهِ بَعْدَمَا ثَبَتَ قَلْعُهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَبَعْدَ انْفِصَالِ الدَّعْوَى بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ فَكَيْفَ الْحُكْمُ؟
(الْجَوَابُ) : تَكْرِيرُ الْقَلْعِ وَالتَّصَرُّفِ بِهِ بَعْدَ ثُبُوتِ قَلْعِهِ وَإِعْدَامِهِ أَوَّلًا مُسْتَحِيلٌ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الدَّعْوَى كَوْنُ الْمُدَّعِي مِمَّا يَحْتَمِلُ الثُّبُوتَ فَدَعْوَى مَا يَسْتَحِيلُ وُجُودُهُ بَاطِلَةٌ اهـ وَالدَّعْوَى مَتَى فُصِّلَتْ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ لَا تُنْقَضُ وَلَا تُعَادُ كَمَا صُرِّحَ بِذَلِكَ فِي كُتُبِ عُلَمَائِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا كَانَ لِزَيْدٍ مَبْلَغُ دَيْنٍ مَعْلُومٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ بِذِمَّةِ عَمْرٍو وَقَصَدَ زَيْدٌ السَّفَرَ وَلَهُ زَوْجَةٌ فَأَذِنَ لِعَمْرٍو أَنْ يَدْفَعَ لَهَا مِنْ الدَّيْنِ مَا تَحْتَاجُهُ مِنْ النَّفَقَةِ وَسَافَرَ فَدَفَعَ عَمْرٌو لَهَا شَيْئًا مِنْ الدَّيْنِ ثُمَّ حَضَرَ زَيْدٌ وَادَّعَى عَمْرٌو دَفْعَ قَدْرٍ مَعْلُومٍ مِنْ الدَّيْنِ وَكَذَّبَهُ زَيْدٌ وَالزَّوْجَةُ فِي ذَلِكَ وَاعْتَرَفَا بِوُصُولِ قَدْرٍ دُونَ مَا يَدِّعِيهِ عَمْرٌو فَهَلْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ عَمْرٍو إلَّا بِبَيِّنَةٍ؟
(الْجَوَابُ) : نَعَمْ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةِ حَيْثُ كَانَ الْمَالُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْمَأْذُونُ لَهُ بِالدَّفْعِ إذَا ادَّعَاهُ وَكَذَّبَاهُ فَإِنْ كَانَتْ أَمَانَةً فَالْقَوْلُ لَهُ وَإِنْ كَانَ مَضْمُونًا كَالْغَصْبِ وَالدَّيْنِ لَا كَمَا فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَمِنْ الثَّانِي مَا إذَا أَذِنَ الْمُؤَجِّرُ لِلْمُسْتَأْجِرِ بِالتَّعْمِيرِ مِنْ الْأُجْرَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ مِنْ أَمَانَاتِ الْأَشْبَاهِ.
(سُئِلَ) فِي الدَّعْوَى إذَا فُصِّلَتْ مَرَّةً بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ مُسْتَوْفِيَةً شَرَائِطَهَا الشَّرْعِيَّةَ فَهَلْ لَا تُنْقَضُ وَلَا تُعَادُ؟
(الْجَوَابُ) : نَعَمْ لَا تُنْقَضُ وَلَا تُعَادُ