للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَقِيقَةِ الْإِقْرَارِ وَبِهَذَا الْفَرْقِ أَجَابَ بَعْضُ عُلَمَاءِ عَهْدِنَا مِنْ الْمُحَقِّقِينَ قُلْت وَمِمَّا يَشْهَدُ لِصِحَّةِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْفَرْقِ مَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْقُنْيَةِ فِي فَصْلِ إقْرَارِ الْمَرِيضِ وَتَبَرُّعَاتِهِ أَقَرَّ الصَّحِيحُ بِعَبْدٍ فِي يَدِ أَبِيهِ لِفُلَانٍ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وَالِابْنُ مَرِيضٌ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ خُرُوجُ الْعَبْدِ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنْ يَمُوتَ الِابْنُ أَوَّلًا فَيَبْطُلَ وَبَيْنَ أَنْ يَمُوتَ الْأَبُ أَوَّلًا فَيَصِحَّ فَصَارَ كَالْإِقْرَارِ الْمُبْتَدَأِ فِي الْمَرَضِ قَالَ فَهَذَا كَالتَّنْصِيصِ عَلَى أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا أَقَرَّ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ لِلْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّمَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ إنْ لَمْ يَكُنْ تَمَلُّكُهُ إيَّاهَا حَالَ مَرَضِهِ مَعْلُومًا حَتَّى أَمْكَنَ جَعْلُ إقْرَارِهِ إظْهَارًا فَإِذَا عُلِمَ تَمَلُّكُهُ فِي حَالِ مَرَضِهِ فَإِقْرَارُهُ بِهِ لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ قَالَ وَإِنَّهُ حَسَنٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى. اهـ. قُلْت قَيَّدَ حُسْنَهُ بِكَوْنِهِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ يُخَالِفُ مَا أَطْلَقُوهُ فِي مُخْتَصَرَاتِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ فَكَانَ إقْرَارُ الْمَرِيضِ لِغَيْرِ وَارِثِهِ صَحِيحًا مُطْلَقًا وَإِنْ أَحَاطَ بِمَالِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. اهـ. كَلَامُ مُعِينِ الْمُفْتِي لِصَاحِبِ التَّنْوِيرِ

(أَقُولُ) حَاصِلُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ إقْرَارَ الْمَرِيضِ لِأَجْنَبِيٍّ صَحِيحٌ وَإِنْ أَحَاطَ بِكُلِّ مَالِهِ لَكِنَّهُ مَشْرُوطٌ بِمَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ ابْتِدَاءُ تَمْلِيكٍ فِي الْمَرَضِ كَمَا إذَا عُلِمَ أَنَّ مَا أَقَرَّ بِهِ إنَّمَا دَخَلَ فِي مِلْكِهِ فِي مَرَضِهِ كَمَا فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّ إقْرَارَهُ بِأَنَّهُ مِلْكُ فُلَانٍ الْأَجْنَبِيِّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ ابْتِدَاءُ تَمْلِيكٍ كَمَا يَقَعُ كَثِيرًا فِي زَمَانِنَا مِنْ أَنَّ الْمَرِيضَ يُقِرُّ بِالشَّيْءِ لِغَيْرِهِ إضْرَارًا لِوَارِثِهِ فَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ تَقَيَّدَ بِثُلُثِ مَالِهِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ وَابْتِدَاءً مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ.

لَكِنْ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ لَا تَمْلِيكٌ وَأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ بِشَيْءٍ إذَا لَمْ يَدْفَعْهُ لَهُ الْمُقِرُّ بِرِضَاهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ دِيَانَةً إلَّا إذَا كَانَ قَدْ مَلَكَ ذَلِكَ بِنَحْوِ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ وَإِنْ كَانَ يُحْكَمُ لَهُ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الْأَمْرِ وَأَنَّ الْمُقِرَّ صَادِقٌ فِي إقْرَارِهِ فَعَلَى هَذَا إذَا عَلِمْنَا أَنَّ هَذَا الْمُقِرَّ كَاذِبٌ فِي إقْرَارِهِ وَأَنَّهُ قُصِدَ بِهِ ابْتِدَاءً تَمْلِيكٌ فَبِالنَّظَرِ إلَى الدِّيَانَةِ لَا يَمْلِكُ الْمُقَرُّ لَهُ شَيْئًا مِنْهُ وَبِالنَّظَرِ إلَى الْقَضَاءِ فِي ظَاهِرِ الشَّرْعِ يُحْكَمُ لَهُ بِالْكُلِّ فَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ نَفَاذِهِ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّا حَيْثُ صَدَّقْنَاهُ فِي إقْرَارِهِ فِي ظَاهِرِ الشَّرْعِ لَزِمَ نَفَاذُهُ مِنْ كُلِّ مَالِهِ وَإِنْ أَحَاطَ بِهِ فَلِذَا أَطْلَقَ أَصْحَابُ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ نَفَاذَ الْإِقْرَارِ لِلْأَجْنَبِيِّ مِنْ كُلِّ الْمَالِ فَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ فِي الْقُنْيَةِ شَيْءٌ مِنْ الْحُسْنِ لَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَلَا مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ وَلَا يَكُونُ فِيهِ تَأْيِيدٌ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفَرْقِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ الْإِقْرَارُ الْمَزْبُورُ عَلَى الْهِبَةِ وَهِيَ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ لَكِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّسْلِيمُ وَإِنْ كَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ الْوَصِيَّةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَفِي مَتْنِ التَّنْوِيرِ مِنْ كِتَابِ الْإِقْرَارِ قَالَ جَمِيعُ مَالِي أَوْ مَا أَمْلِكُهُ هِبَةٌ لَا إقْرَارٌ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّسْلِيمِ قَالَ شَارِحُهُ وَالْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى أَضَافَ الْمُقَرَّ بِهِ إلَى مِلْكِهِ كَانَ هِبَةً ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْمِنَحِ أَقَرَّ لِآخَرَ بِمُعَيَّنٍ وَلَمْ يُضِفْهُ لَكِنْ مِنْ الْمَعْلُومِ لِكَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ أَنَّهُ مِلْكُهُ فَهَلْ يَكُونُ إقْرَارًا أَوْ تَمْلِيكًا يَنْبَغِي الثَّانِي فَيُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُ التَّمْلِيكِ. اهـ. فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُمْ الْإِقْرَارُ إخْبَارٌ لَا تَمْلِيكٌ إنَّمَا هُوَ حَيْثُ لَمْ يُضِفْ الْمُقَرَّ بِهِ إلَى مِلْكِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا بِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَإِلَّا حَصَلَ التَّنَافِي بَيْنَ كَلَامِهِمْ وَكَتَبْت هُنَا فِيمَا عَلَّقْته عَلَى التَّنْوِيرِ عَنْ وَصَايَا النِّهَايَةِ مَا نَصُّهُ وَفِي الْأَصْلِ إذَا قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ سُدُسُ دَارِي لِفُلَانٍ فَهُوَ وَصِيَّةٌ وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ سُدُسٌ فِي دَارِي فَإِقْرَارٌ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ جَعَلَ سُدُسَ دَارٍ جَمِيعَهَا مُضَافًا إلَى نَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بِقَصْدِ التَّمْلِيكِ وَفِي الثَّانِي جَعَلَ دَارَ نَفْسِهِ ظَرْفًا لِلسُّدُسِ الَّذِي سَمَّاهُ لِفُلَانٍ وَإِنَّمَا يَكُونُ دَارُهُ ظَرْفًا لِذَلِكَ السُّدُسِ إذَا كَانَ السُّدُسُ مَمْلُوكًا لِفُلَانٍ قَبْلَ ذَلِكَ فَيَكُونُ إقْرَارًا.

أَمَّا لَوْ كَانَ إنْشَاءً لَا يَكُونُ ظَرْفًا؛ لِأَنَّ الدَّارَ كُلَّهَا لَهُ فَلَا يَكُونُ الْبَعْضُ ظَرْفًا لِلْبَعْضِ وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ لَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِي فَهُوَ وَصِيَّةٌ اسْتِحْسَانًا إذَا كَانَ فِي ذِكْرِ الْوَصِيَّةِ وَإِنْ قَالَ فِي مَالِي فَهُوَ إقْرَارٌ. اهـ. فَعَلَى هَذَا فَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا ذُكِرَ عَلَى الْوَصِيَّةِ حَيْثُ كَانَ الْمُقِرُّ فِي ذِكْرِ الْوَصِيَّةِ فَلَا يُشْتَرَطُ التَّسْلِيمُ وَإِلَّا حُمِلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>