وَهَدَمَهَا وَغَيَّرَ مَعَالِمَهَا بِأَنَّهُ يَنْظُرُ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ إنْ كَانَ مَا غَيَّرَهَا إلَيْهِ أَنْفَعَ لِجِهَةِ الْوَقْفِ وَأَكْثَرَ رَيْعًا أَخَذَ مِنْهُ الْأُجْرَةَ وَبَقِيَ مَا عَمَّرَهُ لِجِهَةِ الْوَقْفِ وَهُوَ مُتَبَرِّعٌ بِمَا أَنْفَقَهُ فِي الْعِمَارَةِ لَا يُحْسَبُ لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَنْفَعَ لِجِهَةِ الْوَقْفِ وَلَا أَكْثَرَ رَيْعًا أُلْزِمَ بِهَدْمِ مَا صَنَعَهُ وَإِعَادَةِ الْوَقْفِ إلَى الصِّفَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا بَعْدَ تَعْزِيرِهِ بِمَا يَلِيقُ بِهِ كَمَا فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قُبَيْلَ الْعَاشِرِ مِنْ الْإِجَارَةِ وَإِنْ قَالَ لَهُ رَبُّ الدَّارِ ابْنِ وَاحْسُبْ مِنْ الْأَجْرِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ بَنَيْت وَأَنْكَرَ الْآجِرُ فَالْقَوْلُ لِلْآجِرِ وَإِنْ أَقَرَّ بِالْبِنَاءِ وَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ وَاتَّفَقَ جَمِيعُ أَهْلِ الصَّنْعَةِ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ فَالْقَوْلُ لَهُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ مَعَهُ وَالْبَعْضُ مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ تَثْبُتُ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارُ. اهـ.
(أَقُولُ) قَوْلُهُ تَثْبُتُ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارُ مَعْنَاهُ يَتَحَقَّقُ كُلٌّ مِنْ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارِ فَيُعْتَبَرُ مَا يُعْتَبَرُ فِي الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارِ مِنْ أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْقَوْلَ لِلْمُنْكِرِ وَكَتَبَ الْمُؤَلِّفُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ قُبَيْلَ الْفَصْلِ الرَّابِعِ اسْتَأْجَرَ طَاحُونَةً إجَارَةً طَوِيلَةً ثُمَّ أَجَّرَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَأَذِنَ لَهُ بِالْعِمَارَةِ وَأَنْفَقَ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ مُسْتَأْجِرٌ وَالطَّاحُونَةُ لَيْسَتْ لَهُ لَا يَرْجِعُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ وَظَنَّهُ مَالِكًا يَرْجِعُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ. اهـ.
(سُئِلَ) فِي مَجْرَى مَاءٍ جَارٍ مَعَ حَقِّهِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْمَاءِ فِي وَقْفٍ تَحْتَ نِظَارَةِ زَيْدٍ وَلِعَمْرٍو أَرْضٌ لَا مَاءَ لَهَا وَلَا يَصِلُ إلَيْهَا الْمَاءُ إلَّا مِنْ الْمَاءِ الْمَزْبُورِ فَاسْتَأْجَرَ عَمْرٌو الْمَجْرَى الْمَزْبُورَ بِحَقِّهِ مِنْ الْمَاءِ مِنْ زَيْدٍ الْمَزْبُورِ مُدَّةً مَعْلُومَةً بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ عَنْ كُلِّ سَنَةٍ مِنْ الْمُدَّةِ لِيَغْرِسَ فِي أَرْضِهِ غِرَاسًا وَيَسْقِيَهُ بِالْمَاءِ الْمَزْبُورِ فَغَرَسَ فِي الْأَرْضِ غِرَاسًا لِنَفْسِهِ وَصَارَ يَسْقِيهِ حَتَّى نَمَا وَأَثْمَرَ وَتَصَرَّفَ بِذَلِكَ وَانْتَفَعَ وَانْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ وَصَارَ يَسْقِي بِالْمَاءِ بَعْدَهَا وَيُعْطِي الْأُجْرَةَ وَالْآنَ طَلَبَ رَجُلٌ مِنْ النَّاظِرِ الْمَزْبُورِ إيجَارَ الْمَجْرَى بِحَقِّهِ مِنْ الْمَاءِ لِيَسْقِيَ بِهِ أَرْضَهُ وَأَجَابَهُ النَّاظِرُ إلَى ذَلِكَ وَإِذَا اسْتَأْجَرَهُ الرَّجُلُ يَبْقَى غِرَاسُ عَمْرٍو بِلَا مَاءٍ فَيَتْلَفُ وَيَيْبَسُ وَيَتَضَرَّرُ عَمْرٌو بِذَلِكَ فَهَلْ يُؤَجِّرُ الْمَجْرَى بِحَقِّهِ مِنْ الْمَاءِ مِنْ عَمْرٍو رَبِّ الْغِرَاسِ لَا مِنْ غَيْرِهِ؟
(الْجَوَابُ) : إذَا أَبَى صَاحِبُ الْغِرَاسِ الِاسْتِئْجَارَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ فَلِلنَّاظِرِ إيجَارُ ذَلِكَ لِلرَّجُلِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ يُرَاعَى فِي الْوَقْفِ الْمَنْفَعَةُ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ وَالْإِفْتَاءُ بِكُلِّ مَا هُوَ أَنْفَعُ لِلْوَقْفِ وَإِنْ رَضِيَ بِاسْتِئْجَارِ ذَلِكَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ بِحَيْثُ لَا يُؤَجِّرُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَالْأَوْلَى أَنْ يُؤَجِّرَ لَهُ تَطْبِيقًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ فَإِنَّ الْعِلَّةَ وَاحِدَةٌ وَهِيَ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّنْوِيرِ وَشَرْحِهِ لِلْعَلَائِيِّ مِنْ بَابِ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضَ الْوَقْفِ وَغَرَسَ فِيهَا وَبَنَى ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ اسْتِبْقَاؤُهَا بِأَجْرِ الْمِثْلِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ بِالْوَقْفِ وَلَوْ أَبَى الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ إلَّا الْقَلْعَ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ.
كَذَا فِي الْقُنْيَةِ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَبِهَذَا تَعْلَمُ مَسْأَلَةَ الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ وَهِيَ مَنْقُولَةٌ أَيْضًا فِي أَوْقَافِ الْخَصَافِ. اهـ. قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فَالْحُكْمُ بِاسْتِبْقَائِهَا أَيْ الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ أَوْلَى عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْخَصَّافُ وَالزَّاهِدِيُّ دَفْعًا لِلضَّرَرِ لَا سِيَّمَا فِيمَا اُبْتُلِيَ النَّاسُ بِهِ كَثِيرًا مَعَ رِعَايَةِ جَانِبِ الْوَقْفِ بِدَفْعِ أَجْرِ الْمِثْلِ خُصُوصًا إذَا كَانَتْ بِحَيْثُ لَوْ فَرَغَتْ لَا تُؤَجَّرُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَرِعَايَةِ صَاحِبِ ذَلِكَ الْبِنَاءِ بِعَدَمِ إضْرَارِهِ بِإِتْلَافِ بِنَائِهِ وَلَعَمْرِي إنَّهُ شَرْعٌ ظَاهِرٌ مُسْتَقِيمٌ وَقَدْ أَفْتَى بِهِ مَنْ لَهُ قَلْبٌ سَلِيمٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ.
وَهُنَا الْأَشْجَارُ إنَّمَا نَمَتْ بِالْمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَ الْمَاءُ يَتَضَرَّرُ صَاحِبُهُ وَلَا يَنْتَفِعُ صَاحِبُ الْمَاءِ بِأَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ وَرَبُّ الْأَشْجَارِ قَدْ رَضِيَ بِمَا يَدْفَعُهُ الْغَيْرُ وَقَدْ جَاءَ النَّهْيُ عَنْ الْمُضَارَّةِ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَفِي السُّنَّةِ الشَّرِيفَةِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْأَرْبَعِينَ وَذَكَرَهُ فِي الْأَشْبَاهِ فِي قَاعِدَةِ الضَّرَرُ يُزَالُ ثُمَّ إنِّي بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ رَأَيْت فَتْوَى مِنْ جَدِّي الْمَرْحُومِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَفَنْدِي الْعِمَادِيِّ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَهِيَ بِخَطِّهِ الْمَعْرُوفِ الْمَعْهُودِ فَحَمِدْت اللَّهَ تَعَالَى حَيْثُ وَافَقَ رَأْيِي الْمَنْقُولَ فِي زَيْدٍ اسْتَأْجَرَ مِنْ عَمْرٍو الْمُتَوَلِّي عَلَى وَقْفٍ أَهْلِيٍّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute