أَوْ أَرْبَعَةً وَقَالَ صَاحِبُ الْمُجْتَبَى قُلْت وَهَذَا أَحْسَنُ لَا بُدَّ مِنْ حِفْظِهِ فَقَدْ رَأَيْت فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ. اهـ. وَارْتَضَاهُ الْعَلَائِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْوِيرِ وَقَالَ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ. اهـ. لَكِنَّ هَذَا مُشْكِلٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ يُؤَدِّي فِي كُلِّ سَنَةٍ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ أَوْ أَرْبَعَةً إنْ كَانَ الْمُرَادُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ تِسْعَةَ دَرَاهِمَ أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ مُدَّةِ عُمْرِهِ فَمَتَى تَنْقَضِي الدِّيَةُ، وَإِذَا مَاتَ الْجَانِي فَمِمَّنْ يُؤْخَذُ الْبَاقِي وَكَيْفَ يُؤْخَذُ فَتَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إلَى مَا نَقَلَهُ عَنْ أَكْثَرِ الْمَوَاضِعِ مِنْ وُجُوبِهَا فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، فَإِنَّهُ لَا إشْكَالَ فِيهِ.
وَقَدْ صَرَّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ الذِّمِّيَّ الَّذِي لَا عَاقِلَةَ لَهُ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ الْقَضَاءِ كَمَا فِي الْمُسْلِمِ. اهـ. لِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَا حَقَّ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ ابْتِدَاءً، وَإِذَا فُقِدَ بَيْتُ الْمَالِ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي مَالِهِ صَارَ كَالذِّمِّيِّ فَتَجِبُ عَلَيْهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ يَوْمِ الْقَضَاءِ لَا مِنْ يَوْمِ الْجِنَايَةِ فَاغْتَنِمْ هَذَا الْمَقَامَ، فَإِنَّهُ مِمَّا لَمْ أُسْبَقْ إلَى تَحْرِيرِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى تَيْسِيرِهِ.
(سُئِلَ) فِي رَجُلٍ ضَرَبَ رَجُلًا حُرًّا عَلَى إحْدَى عَيْنَيْهِ عَمْدًا فَذَهَبَ بِذَلِكَ ضَوْءُهَا فَهَلْ يَلْزَمُهُ نِصْفُ الدِّيَةِ؟
(الْجَوَابُ) : نَعَمْ قَالَ فِي التَّنْوِيرِ وَتَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ فِي كُلِّ عُضْوٍ ذَهَبَ نَفْعُهُ بِضَرْبِ ضَارِبٍ كَيَدٍ شُلَّتْ وَعَيْنٍ ذَهَبَ ضَوْءُهَا وَصُلْبٍ انْقَطَعَ مَاؤُهُ. اهـ. وَفِيهِ أَيْضًا وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمُزْدَوِجَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ. اهـ.
(أَقُولُ) قَوْلُهُ وَتَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ أَيْ دِيَةُ ذَلِكَ الْعُضْوِ الَّذِي ذَهَبَ نَفْعُهُ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْعَيْنِ نِصْفُ دِيَةِ النَّفْسِ ثُمَّ إنَّ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَجِبُ الْقِصَاصُ لَا الدِّيَةُ حَيْثُ كَانَ الضَّرْبُ عَمْدًا وَكَانَ الذَّاهِبُ مُجَرَّدَ الضَّوْءِ وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ قَالَ فِي التَّنْوِيرِ وَشَرْحِهِ فِي بَابِ الْقَوَدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ: وَكَذَا عَيْنٌ ضُرِبَتْ فَزَالَ ضَوْءُهَا وَهِيَ قَائِمَةٌ غَيْرُ مُنْخَسِفَةٍ فَيُجْعَلُ عَلَى وَجْهِهِ قُطْنٌ رَطْبٌ وَتُقَابَلُ عَيْنُهُ بِمِرْآةٍ مُحْمَاةٍ وَلَوْ قُلِعَتْ لَا قِصَاصَ لِتَعَذُّرِ الْمُمَاثَلَةِ. اهـ. .
(سُئِلَ) فِي امْرَأَةٍ ضَرَبَتْ بِنْتًا بِمِخْيَاطٍ عَمْدًا فَفَقَأَتْ عَيْنَهَا فَمَا يَلْزَمُهَا بَعْدَ الثُّبُوتِ الشَّرْعِيِّ؟
(الْجَوَابُ) : يَلْزَمُهَا بَعْدَ الثُّبُوتِ الشَّرْعِيِّ رُبْعُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةَ وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفَ الدِّيَةِ وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ فِي النَّفْسِ وَالْأَطْرَافِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّ حَالَهَا أَنْقَصُ مِنْ حَالِ الرَّجُلِ وَمَنْفَعَتُهَا أَقَلُّ وَقَدْ ظَهَرَ أَمْرُ النُّقْصَانِ بِالتَّنْصِيفِ فِي النَّفْسِ فَكَذَا فِي أَطْرَافِهَا وَأَجْزَائِهَا اعْتِبَارًا بِهَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهَا رُبْعُ الدِّيَةِ وَهِيَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ دِينَارًا مِنْ الذَّهَبِ أَوْ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ الْفِضَّةِ.
(سُئِلَ) فِي رَجُلٍ ضَرَبَ رَجُلًا بِقَضِيبٍ عَمْدًا فَأَصَابَ خَدَّهُ فَأَسْقَطَ اثْنَتَيْنِ مِنْ أَسْنَانِهِ الْعُلْيَا فَمَا يَلْزَمُهُ شَرْعًا؟
(الْجَوَابُ) : إذَا طَلَبَ الرَّجُلُ الْمَضْرُوبُ مِنْ الضَّارِبِ الْقِصَاصَ حَيْثُ كَانَ عَمْدًا يُقْتَصُّ مِنْهُ بَعْدَ الثُّبُوتِ الشَّرْعِيِّ السِّنُّ بِالسِّنِّ، وَإِنْ أَرَادَ الدِّيَةَ فَفِي كُلِّ سِنٍّ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ الْفِضَّةِ وَالْمَسْأَلَةُ فِي الشِّجَاجِ مِنْ التَّنْوِيرِ وَغَيْرِهِ وَفِي الْخَيْرِيَّةِ مِنْ الْجِنَايَاتِ أَيْضًا
(أَقُولُ) ظَاهِرُ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَأَخْذِ الدِّيَةِ مَعَ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي السُّؤَالِ أَنَّ الْجِنَايَةَ هُنَا عَمْدٌ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مُوجِبَ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْإِثْمُ وَالْقَوَدُ عَيْنًا فَلَا يَصِيرُ مَالًا إلَّا بِالتَّرَاضِي فَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ أَخْذُ الدِّيَةِ إلَّا بِرِضَا الْقَاتِلِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ حَيْثُ أَثْبَتَ الْخِيَارَ لِلْوَلِيِّ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ سَوَاءٌ رَضِيَ الْقَاتِلُ أَوْ لَا، وَهَذَا وَإِنْ صَرَّحُوا بِهِ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى مَا دُونَهَا كَمَا يَظْهَرُ مِنْ فُرُوعِهِمْ الْكَثِيرَةِ.
مِنْهَا لَوْ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَ رَجُلٍ وَهِيَ صَحِيحَةٌ وَيَدُ الْقَاطِعِ شَلَّاءُ ثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْمَقْطُوعِ يَدُهُ إنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ، وَإِنْ شَاءَ اقْتَصَّ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ الْخِيَارُ لَهُ بِسَبَبِ الْعَيْبِ فَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ مُطْلَقًا لَمَا صَوَّرُوهُ