للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال بعض أصحابنا: لا يحرق بحال، لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا يحرق بالنار إلا رب النار» رواه ابن ماجه. وإن قطع يده من المفصل، أو أوضحه، ثم ضرب عنقه، فهل يفعل به كما فعل، أو يقتصر على ضرب عنقه؟ على روايتين، ذكرهما الخرقي، وإن لم يضرب عنقه، بل سرت الجناية إلى نفسه، ففيه أيضًا روايتان:

إحداهما: لا يقتل إلا بالسيف، في العنق، لئلا يفضي إلى الزيادة على ما أتي به.

والثانية: يفعل به كما فعل، فإن مات وإلا ضربت عنقه؛ لأنه لا يمكن أن يقطع منه عضو آخر. والزيادة لضرورة استيفاء الحق محتملة، بدليل تكرار الضرب في حق من قتل بضربة واحدة، وإن جرحه جرحًا لا قصاص فيه، كقطع الساعد والجائفة، فمات، أو ضرب عنقه بعده، فقال أبو الخطاب: لا يقتل إلا بالسيف في العنق، رواية واحدة؛ لأنها جناية لا قصاص فيها، فلا يستوفي بها القصاص، كتجريع الخمر، وذكر القاضي فيها روايتين، كالتي قبلها؛ لأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، رض رأس اليهودي بين حجرين» ، ولأن المنع من القصاص فيها منفردة، لخوف سرايتها إلى النفس، وليس بمحذور هاهنا.

فصل:

وكل موضع، قلنا: ليس له أن يفعل مثل فعل الجاني، إذا خالف وفعل، فلا شيء عليه؛ لأنه حقه، وإنما منع منه، لتوهم الزيادة، ولو أجافه أو أمه أو قطع ساعده، فاقتص منه مثل ذلك، ولم يسر، فلا شيء عليه كذلك، وإن سرى، ضمن سرايته؛ لأنها سراية قطع، غير مأذون فيه.

فصل:

وإن جنى عليه جناية ذهب بها ضوء عينيه، فكانت مما يجب به القصاص، كالموضحة، اقتص منها، فإن ذهب ضوء عينيه، فقد استوفى حقه، وإن لم يذهب عولج بما يزيل الضوء، ولا يذهب بالحدقة، مثل أن يحمي حديدة، ويقربها منها وإن ذهب ضوء إحداهما، غطيت العين الأخرى، وقربت الحديدة إلى التي يقتص منها، لما روى يحيى بن جعدة: أن أعرابيًا، قدم بحلوبة له المدينة، فساومه فيها مولى لعثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فنازعه، فلطمه، ففقأ عينه، فقال له عثمان: هل لك أن أضعف لك الدية وتعفو عنه؟ فأبى، فرفعهما إلى علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فدعا علي بمرآة، فأحماها ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>